السبت، 12 مارس 2011



الكنيسة هى فردوس على الارض


د। جورج عوض



الكنيسة هى المكان الذى يتم فيه تبديل وتجلى العالم إلى فردوس على الأرض ، فالسماء والأرض الجديدة تبدأ من داخل الكنيسة وتنتشر انتشار الخميرة فى العجين .
إن الحياة الليتورجية تقدس الخليقة كلها ، ففى كل مرة يُقام سر كنسى نصلى من أجل المياه
" تفضل يارب مياه النهر فى هذه السنة باركها " ، أيضًا من اجل ثمرات الأرض "تفضل يارب أهوية السماء وثمرات الأرض فى هذه السنة باركها " .
ويرد الشماس قائلاً " أطلبوا عن أهوية السماء وثمرات الأرض والشجر والكروم وكل شجرة مثمرة فى كل المسكونة لكى يباركها المسيح إلهنا ويكملها سالمة بغير آفة ويغفر لنا خطايانا " ، ويكمل الكاهن مصليًا من أجل الأرض بالتحديد " فرح وجه الأرض ليرو حرثها ولتكثر أثمارها أعدها للزرع والحصاد .. ".
وتأتى قمة الصلاة من أجل نتاج الأرض (الخبز والخمر) فى صلاة الإفخارستيا ليتغير إلى جسد المسيح ودمه ، فالكاهن يطلب فى اوشية التقدمة من الرب يسوع أن يُظهر وجهه على هذا الخبز وعلى هذه الكأس .
إن صلوات الكنيسة تحدد لنا العلاقة الصحيحة بين الإنسان والبيئة قبل أن تعى البشرية أزمة البيئة، البيئة فى نظر الكنيسة هى الفردوس الأرضى ، لذا هدف الكنيسة هو التجلى والتغير المستمر للعالم ليصير كنيسة ، فالكاهن عندما يصلى فى أوشية السلام قائلاً: " أذكر يارب سلام كنيستك الواحدة الوحيدة المقدسة الجامعة الرسولية " ، ويكمل قائلاً : " هذه الكائنة (الكنيسة) من أقاصى المسكونة إلى أقصاها .. " ، هنا المسكونة كلها هى فى حالة صيرورة دائمة لتكون كنيسة ، فردوس أرضى .
تعلمنا الكنيسة الصلاة من أجل موارد الأرض ، والمياه ، والهواء ، والزرع ، من أجل الكون كله، معلنة أن الكون لم يتوقف أن يكون خليقة الله الـ" الحسن " ومهمتنا هى صيانته والمحافظة عليه بعيدًا عن النزعة الاستهلاكية التى ظهرت فى المجتمعات الصناعية الحديثة فيما بعد ، فالمجتمعات المتقدمة تنظر إلى التوسع فى الاستهلاك، كما لو كان غاية فى ذاته وقيمة أساسية من قيم الحياة .
الكنيسة لا تَعد الإنسان بتوفير مطالبه الاستهلاكية على طريقة أن قيمته إنما تُقاس بما يملك ، بل العكس إن الأصوام هى أبلغ تعبير على تدريب الإنسان على أن يقول بصراحة
: " لا " للاستهلاك ، " لا " للرغبات المصطنعة ، " لا " لطوفان الإعلانات التى تشكل العقل بالطريقة التى يريدها المنتجون الذين ينشدون أكبر قدر من الربح ، " لا " للخمول الزائد ولأمراض الترف والحضارة ، " لا " لعبادة النمط الاستهلاكى للحياة .
الكنيسة تُؤصل وتزرع فينا الإعلان المستقيم عن الله وعلاقته بالإنسان والعالم الطبيعى ، فهى توجه الإنسان نحو سلوك واعٍ تجاه البيئة المحيطة ، وتشدد على أن الحياة الليتورجية والروحية للإنسان هى تمجيد وتسبيح الله الخالق بواسطة المخلوقات :
" فلنشكر المسيح إلهنا .. لأنه خلق السموات وجنودها ، وأسس الأرض على المياه ، هذين الكوكبين العظيمين الشمس والقمر جعلهما ينيران فى الفلك ، أخرج الرياح من كنوزه ، نفخ فى الأشجار حتى زهرت ، أمطر مطرًا على وجه الأرض حتى أنبتت واعطت ثمرتها .. فلنسبحه ونرفع اسمه ونشكره لأن رحمته كائنة إلى الأبد.. "
. ويصير التسبيح واضحًا فى الهوس الثالث بأن الإنسان يمجد الله بواسطة المخلوقات قائلاً : " باركى الرب يا جميع أعمال الرب سبيحيه وزيديه علوًا إلى الأبد . باركى الرب يا جميع المياه سبحيه وزديه علوًا إلى الأبد .. باركا الرب أيها الشمس والقمر وزيداه علوًا إلى الأبد .. باركى الرب يا سائر نجوم السماء سبحيه وزيديه علوًا .. "
ويذكر الهوس الثالث طيور السماء ، الوحوش وكل البهائم، أى التسبيح يشمل كل الخليقة مع الإنسان وأرواح وأنفس الصديقين .
الكنيسة تقود المؤمن تربويًا بالأصوام والسلوكيات المنضبطة البعيدة عن النمط الاستهلاكى، وتربط دائمًا كل محاولات الإنسان للحفاظ على البيئة بالأساس اللاهوتى والفكر المستقيم، وتعتبر التغيير العميق والداخلى والجذرى للذهن الإنسانى ونقاوة القلب والعين البسيطة تقود الإنسان إلى رؤى سليمة تجاه العالم الصائر خليقة جديدة ، غير مكتفية بدعوة الأفراد فقط لصيانة العالم ، بل والحكومات والهيئات الحريصة على سلامة البيئة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق