الأربعاء، 20 أبريل 2011




ضَع أحداث قنا فى سياقها العام
د جورج عوض ابراهيم
لا نستطيع ان ننظر لاحداث قنا بمعزل عن السياق العام ، فلا يستطيع أحد ان ينكر ان الضعف الامنى الذى حدث بفعل فاعل أثناء ثورة 25 يناير وأنكسار هيبة الشرطة أحدث خللاً فى منظومة العلاقات الاجتماعية بين المواطنين ، فماذا ننتظر من حالة الغياب الامنى التى نعيشها طبعا بعد سنوات من القهر وتكسير العظام والاستبداد ؟ انها حالة الفوران بعد نزع الغطاء وسوف يأتى اليوم الذى تهدأ فيه الامور. ومشكلتنا اننا تفائلنا ظانين ان نموذج التعايش والتسامح الذى كان فى ميدان التحرير يستطيع ان يوجد فى كل ربوع مصر. ونسينا ان ما انجح نموذج التسامح ان المجتمعين فى الميدان كانوا تحت ضغط واحد يواجهون خطر واحد ويلتفون حول هدف واحد فانصهر الجميع فى بوتقة واحدة. وهذة الظروف لا تتوفر فى كل مكان وبنفس القوة . ومن هنا احداث مثل احداث كنيسة اطفيح او بنى احمد او غيرها هى من نفس احداث قنا واقتحام مستشفى المطرية واعمال البلطجة فى الشوارع وحوادث النهب والسرقة والتهديد. والتحايل الذى يحدث فى بعض الحوادث هو تغليفها بثوب دينى ، حتى يفقد الحدث بُعده الاجرامى ومن هنا اعمال الخطف والتهجم واغتصاب حقوق الغير والتطاول على الاخرين تلبس لباساً دينيا وهى فى الاساس مثلها مثل اى جريمة اخرى ناتجة من حالة الغياب الامنى واكتساب ثقة الفوز بالغنائم دون عقاب ، الهجوم على محطات المترو وسرقة ايرادات التذاكر وتوقيف المواطنين وسرقتهم عنوةً وكذلك تعرض اتوبيسات النقل العام للسرقة كلها نتائج الفوضى الامنية. هنا انكشف قطاع كبير من المجتمع فى سلوكياتة واخلاقة وانانيتة ومستوى تعليمة واستنارتة ، فأنضباطهم قبل الثورة كان خوفاً من السلطة الامنية وليس عن قناعة بمبادىء سامية فى حياتهم. أضف على ذلك ان مشكلة الاخر المختلف دينياً لم تُحسم تماما وهى مشكلة تعليمية بالدرجة الاولى فنحن ما زلنا نتبنى نظرة عنصرية للاخر وهذة تراكمات سنين من الجهل والتخلف لقطاع عريض من المواطنين ما زالوا ينظرون لغير المسلم نظرة دينية احادية وعنصرية لا تمت للمواطنة بصِلة بل ولا تمت للانسانية بصِلة . ولسنا سُذج حتى نُصَدق ان الثمانية عشر يوما فى ميدان التحرير تُغير تربية سنين من الجهل والظلمة التى ساهمت كل مؤسسات الدولة للنظام السابق فى ايجادها ، فالاعلام المرئى الذى يدخل كل بيت لم يعتمد فى برامجة خطة لتنوير الناس والعباد لقضايا، العالم حسمها منذ اكثر من مائة عام مثل قبول الاخر والمواطنة وكرامة البشر بغض النظر عن انتمائهم ولم تنفذ الدولة عملياً قبول الاخر من خلال تعيينات لمواطنين غير مسلمين فى مناصب مختلفة بسيطة كمدير ادارة او مدرسة اومدير تحرير جريدة حتى يتعود الناس على ان غير المسلم يستطيع ان يعتلى منصباً فى الدولة اسماء مثل عبد المسيح وميخائيل ومرقس وجرجس وابانوب هى غير مألوفة لدى اذن المواطن المسلم مع اننا نتعامل يوميا مع بعض فى الحياة العامة ونسكن فى احياء وبنايات واحدة وندرس معاً فنحن مواطنون . وانا عن اضطرار اذكر تعبير غير المسلم وكنت اتمنى ان اتكلم عن المواطنين بشكل عام دون تصنيف دينى او مذهبى ، ولكن الواقع يُملى علينا ان نذكر هذة التعبيرات لاننا ما زلنا نحيا وفق التمييز الطائفى وإلا ما تفسير هذة الاحداث التى نعيشها. وأنا متأكد ان محافظ قنا الجديد لو كان بهائياً لحدثت هذة الاحداث والعصيان المدنى كما يٌسمونة فى الصحف. لن تصبح مصر دولة مدنية ديمقراطية بين يوم وليلة امامنا طريق شاق يجب ان نبدأ السير فية عملياً وليس كلامياً نبدأ من البيت والمدرسة ودور العبادة ونمارس الديموقراطية اثناء حياتنا اليومية فصناديق الاقتراع لا تصنع الديموقراطية. والى ان يتحقق هذا سوف نشهد أحداث طائفية وغير طائفية وأحداث فساد فالحالة التى نحن عليها تتطلب منا جهداً وارادة قوية للتغيير للافضل شرط ان يصبح خطابنا الدينى مستنيراً يخدم الانسان ويصون كرامتة ويرتقى بالمجتمع وينبذ التعصب ويحسم قبول الاخر بغض النظر عن انتماءة الدينى.
حالة مصر تتطلب النظر بجدية لقضية الدين والتعليم والتنوير وهذا الامر مسئوليتنا جميعا كاعلام وفن وثقافة وادب ولغة ونصل للناس فى القرى والنجوع والمدن . علينا ان نشيد مؤسسات قادرة على ان تدفع المجتمع الى الامام واحترام الانسان. نرجع الى موضوع احداث قنا ونقول انها من نتاج هذا المجتمع الذى تربى على التمييز الدينى ولم يتربى عل احترام الانسان ايا كان مذهبة واكرر لو كان المحافظ الجديد بهائى وليس مسيحى او حتى امرأة لكان حدث ما حدث من عصيان ورفض واحتجاجات । والسبب فى ان الاحتجاجات اخذت هذة الجرأة والتطاول والبُعد التدميرى هو الغياب الامنى او الضعف الامنى أياً كان المسمى ومن هنا تندرج هذة الاحداث مع اعمال البلطجة مع اختلاف الثوب الدينى الخارجى।

هناك تعليق واحد:

  1. مقال جيد جدًا، ولعل أبرز ما أعجبني فيه هو نبرة الإتزان والعقلنة للحدث. وهذه الروح هي ما نفتقده في الواقع الحالي، وهو ما يشكل تحدٍ قاسٍ لكل من ينشد الإصلاح. ولكن؛ أمام هذا الواقع المؤلم ينبلج سؤال قاسٍ ومؤلم لكل عاقل (بحسب فكري) تُرى أقواقعنا يحتاج لإصلاح أم لإعادة بناء على أسس جديدة؟ وهل ننجرف بذهننا العقلاني إلى الطرح النظري فنشمر سواعدنا لنبدأ بكتابة منشورات تنويرية، أم نستحضر أمامنا "هرم ماسلو" مع الشرائح المشوهة في مجتمعنا ونعيد الطرح من جديد؟

    ردحذف