الأربعاء، 20 أبريل 2011






المحاكمة الدينية ليسوع



ج। باترونس- استاذ العهد الجديد - جامعة اثينا ترجمة د جورج عوض ابراهيم
المعروف من تاريخ العالم, أن البار دائمًا يضحي ويتألم والظالم دائمًا يتسلط ويستغل. وهذا يحدث, لأن التاريخ والعالم الحاضر يُوجدان تحت تأثير وسيطرت قوات الشر. كتابنا المقدس يقول, أن رئيس هذا العالم هو الشيطان (يو31:12). الحق يُضطهد وأُناس الله الحقيقيين يُوجدوا دائمًا تحت الإضطهاد والتعسف والقهر. وفقط تحت هذا الإطار العام, المسيح كان ينبغي عليه أن ينتظر لذاته موت عنيف (قهري) وظالم. وهذا ما بدا منذ اللحظة الأولي لولادته برغبة هيرودس المحمومة بإبادته, وأيضًا منذ اللحظات الأولي لظهوره العلني مع كراهية وبُغض الكتبة والفريسيين الذين كانوا يراقبونه دائمًا.
كان يسوع يعرف جيدًا من تاريخ العهد القديم, أن الأبرار وأناس الله دائمًا يُعانون ويضطهدون من أولئك الذين أعتبروا ذواتهم حُراس العدل والحق. نري في المزامير ونصوص الأنبياء تسطر للأبرار آلامهم بطريق تراجيدية والأدب الرؤيوي مملوء من الأشارات لآلام إبن الإنسان, وأيضًا شهداء الحق. كل هؤلاء يتألمون ويعانون من الظالمين والزناه والمأبونون لكل عصر, حيث عادةً هؤلاء يملكون القوة والسلطة. ألم يكن يوحنا المعمدان مثال في أيامه, إنسان بار لكن أُضطِهد وإستشهد علي يد الظالمين والفاسدين المستغلين للسلطة الدينية والسياسية, وهم أنفسهم الذين يضطهدون المسيح!

1ـ يسوع أمام الرؤساء الدينيين
في المجتمع اليهودي في عصر المسيح هذا الذي له ثقل وحساب خاص لم يكن جوهر البر بل التطبيق الفريسي للقوانين والحرص علي الإحتفاظ بالأمثلة والنماذج والرموز فقط. الناموس كان قاسي جدًا بالنسبة لأولئك الذين يخالفون أوامر التوراة والذين لم يكن يتبعون بأمانة التقاليد التفسرية لمعلمي الناموس. لكن الذين يدسون بالفعل علي الناموس الموسوي والعدل عادةً كانوا يُوجدوا في السلطة ويستفزون الناس الفضلاء والمتواضعين. عندما يعرف المرء هذا الواقع, لا يتفاجئ في النهاية, لأن في الأناجيل المقدسة حشد من الإشارات عن آلام المسيا. إن يسوع من بداية نشاطة العلني كان يشدد دائمًا عل "الحتمية" التاريخية للآلام, وهذا كان واحد من مواضيعة المحبوبة. إبن الإنسان سوف يتألم والمسيح سوف يُدعيَّ ليُقدِم حياته "فدية عن كثيرين" (أنظر مت20:8, مر45:10, 41:14, ...الخ). مدينة الله, أورشليم, دائمًا كانت تظهر قاسية مع الأبرار ودائمًا كانت تقتل الأبناء والمعلمين الحقيقين (لو47:11. 34:13) وها الآن أتت لكي تطرد وتدين, ليس بعد "الخدام" و "العبيد" بل رب وصاحب "الكرمة", وفق المثل الذي أورده المسيح (مر1:12ـ12).
بعد القبض علي يسوع في بستان جثمياني, قادوة إلي بيت رئيس الكهنة حيث تجمع الكتبة والشيوخ, كشهود ومشتكين في التحقيق الأول, علي أساس خطة مدروسة جيدًا (مت57:26). هناك يهوذا سوف يأخذ الفضة المتفق عليها ثمن الخيانة ويمضي. وفق قوانين مجمع السنهدريم, لأن المسيح قد دين كنبي كاذب في جراء التجديف والعصيان, كان يجب أن يمر علي حكم قانوني وثم بعد ذلك يُدان من محكمة أورشليم العُليا.
لكن الوقت لم يكن كافيًا لهذا الأمر, لذلك أقُتيد يسوع مباشرةً إلي محكمة من الدرجة الأولي كأمر إستثنائي.
يوحنا الإنجيلي الذي كان شاهِد عيان كما نعرف (يو15:18), يذكر بدقة أن يسوع أقُتيد أولاً إلي رئيس كهنة حنّان وبعد ذلك إلي قيافا. قيافا كان متخصص في هذه القضايا "كرئيس كهنة في تلك السنة" وهو الذي نصح وأرشد اليهود, قائلاً: "خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ عَنِ الشَّعْبِ" (يو13:18ـ14).
الدور الرئيسي في قضية يسوع من جانب الزعماء الدينيين قام به كل مِن حنّان وقيافا اللذين بينهما قرابة. لكن خلف كل الأساليب المتعلقة بالحكم علي يسوع كان يوجد دائمًا رئيس الكهنة حنَّان الذي كانت عائلته تسيطر بخبرتها لمدة خمسون عامًا علي أمور أورشليم الدينية محتفظين بكرسي رئيس الكهنة. كان حنّان شخص فاسد ومكروه من الكل وبسبب تصرفة العنيف إذا أستولي عليه خوف أنه سوف يتغير أو يُؤخذ عليه شيء سيء ممسوك عليه في تصرفاته. أقُتيد يسوع أولاً إلي يدي هذا الإنسان الحسود ومنه تمنهجت كل قضية إدانته.
رئيس الكهنة حنّان سأل يسوع عن عمله, تعليمه, تلاميذه (يو19:18). كان يأمل أن يسوع سوف يناقض في محاول الدفاع عن ذاته, التعاليم التي كان منذ تلك اللحظة يعلمها أو سوف يعترف إعترافًا ما, سوف يستخدمه رئيس الكهنة تقريبًا لجرائمة. وهذا, لأنه في فلسطين في ذلك العصر كانت توجد فرق سرية كثيرة ضد نظام الحكم, وحنّان كان يعكف عن عمد في توجيه التحقيق تجاه هذا الإتجاه. ويسوع أمام خِسة هذا الهدف أجاب بإنفتاح وحرية وشدد علي أن عمله وتعليمه وكل نشاطه دائمًا كان يتممه أمام أبصار الجميع ومرات كثيرة في المجامع والهيكل: " أَجَابَهُ يَسُوعُ:«أَنَا كَلَّمْتُ الْعَالَمَ عَلاَنِيَةً. أَنَا عَلَّمْتُ كُلَّ حِينٍ فِي الْمَجْمَعِ وَفِي الْهَيْكَلِ حَيْثُ يَجْتَمِعُ الْيَهُودُ دَائِمًا. وَفِي الْخَفَاءِ لَمْ أَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ" (يو20:18).
بعد هذا التحقيق الأول, أقُتيد يسوع من حنّان إلي قيافا رئيس الكهنة. السلطة الدينية في تلك العصر رسميًا كانت توجد في يدي قيافا, بالرغم من الأمور سارت تحت تأثير من الشيخ الخبيث حنّان. الدخول الأول ليسوع علي حنّان كان لديه هدف نظرًا لعدم رسمية هذا التحقيق الذي تم لمعرفة قناعات يسوع, هو توجية المحاكمة العلنية التي سوف تصير أمام قيافا رئيس الكهنة والسهندريم, تحت ظلال حنَّان أيضًا. إذن, لأن حالة يسوع أعُتبرت من البداية حالة خطيرة, أقُتيد المتهم إلي قيافا رئيس الكهنة ومجمع السنهدريم الكبير (يو24:18), لكي يُحكَّم عليه هناك "قانونيًا" ووفق النواميس اليهودية.


2ـ المحاكمة الدينية
المجمع الكبير (السنهدريم), كما قلنا كان المحكمة العُليا لليهود في أورشليم ويتكون من 70 عضو يترأسهم دائمًا رئيس الكنهة في حالة إنعقاده, عدد الأعضاء له تقليد ضارب في الجذور في كتب العهد القديم وإنطلق من أزمنة الخروج العظيم, عندما صعد موسي إلي جبل سيناء في صحبة سبعون شيخًا من شيوخ إسرائيل (خر1:24, 9:24). بين أعضاء السنهدريم يضم بالحري رؤساء العائلات الكهنوتية الكبيرة, والكتبة وعدد محدد من معلمي الناموس, كذلك أيضًا الشيوخ.
حقوق وقدرات مجمع السنهدريم الكبير في العصر الروماني تنوعت في كل مرة قياسًا بتوجهات السلطة السياسية, بعض المرات كان له الحق في فرض حكم الموت بالرجم, كما أخبرنا أعمال الرسل, كما حدث في حالة إسطفانوس أول الشهداء, لأنه أتُهم بأنه جدف ضد الديانة اليهودية (أع13:6, 57:7ـ58). في عصر يسوع, يبدو, أن مجمع السنهدريم لم يكن لديه حق الحكم بالموت إذ كان من إختصاص السلطة السياسية فقط. لأجل هذا أيضًا مجمع السنهدريم كان يواجه وقتذاك المواضيع التي لها طبيعة دينية فقط (أنظر مت65:26, أع1:4, 17:5ـ22, 30,....) وعندما تظهر حالات خطيرة يكون لديه حق تجميع أركان القضايا فقط والتي تُقدَّم إلي السلطة السياسية لكي تدعم الإتهامات وبالتالي الحكم بالموت الجزائي.
كان يوسف المسمي قيافا رئيس السهندريم في حالة يسوع وكان قريبًا لحنّان. أعضاء السنهدريم قد أُخبروا بالإستدعاء وكانوا بالفعل موجودون في بيت قيافا, عندما إنعقد المجمع بوصول يسوع كان معظم الأعضاء قد أخذوا قرار إدانة يسوع بالموت ومحاولاتهم كانت منصبة علي تبرير قرارهم هذا. لكن الجميع كانوا دائمًا حرصين أن يبرهنوا أن الأمور تسير قانونيًا ووفق مطالب الناموس. كانت إذن قضية ملفقة بشهود مجندين ومرتشين, لكن كل شيء سار بدقة وفق الحرفية الناموسية.
قيافا في المرحلة الأولي لهذه المحاكمة كان في الأساس يتمم دور المحقق (مر53:14ـ الخ)। عندما بدأ إستجواب الشهود, لم يعرف أحد المحتوي الجوهري للإتهام। الشهود وُجدوا في حالة لخبطة وتخبط والشهادات الكاذبة تناقض الواحدة الأخري: "وَكَانَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْمَجْمَعُ كُلُّهُ يَطْلُبُونَ شَهَادَةً عَلَى يَسُوعَ لِيَقْتُلُوهُ، فَلَمْ يَجِدُوا। لأَنَّ كَثِيرِينَ شَهِدُوا عَلَيْهِ زُورًا، وَلَمْ تَتَّفِقْ شَهَادَاتُهُمْ" (مر55:14ـ56), هكذا لخص الإنجيلي هدف التحقيق مع يسوع. وبالرغم من كل المحاولات, إلا أن إصدار الحكم لم يمض علي ما يرام والأركان الأساسية للحكم عليه بالموت لم تكن قوية. الركن الثقيل لفرض جزاء الموت كان إتهام يسوع بإبطال يوم السبت لأجل ذلك كل المحاولات فيما بعد للحكم عليه كانت توريط يسوع بأسئلة مضلو مختلفة لكي يظهر أنه كاذب ويناقض نفسه الموضوع المناسب في هذه المرحلة هو الإتهام الذي يتعلق بدمار الهيكل وبناءة بواسطة يسوع في ثلاثة أيام. بدأ قيافا يطلب تفسير فسأل يسوع الآتي أمام المنصة, هل يقبل هذا الإتهام المحدد. إحتفظ يسوع بضبط النفس ولم يجيب علي السؤال, علي الجانب الأخر, عندما تحدث عن نقض الهيكل, كان يقصد "عن هيكل جسده" (يو21:2). الآن عرف جيدًا أن السؤال ليس لديه محتوي جوهري وكل القضية بدأت تتطور إلي مهزلة حقيقية. عندئذٍ شرع قيافا في عمل حركته الأخيرة واضعًا يسوع أما سؤال مُحرِج ومُضِل: "أأنت المسيح إبن المبارك؟" (مر61:14) أو "هل أنت المسيح إبن الله؟" (مت63:26). كان سؤال استفزازي لأخذ شهادة ذاتية من جانب يسوع. ويسوع أجاب إيجابيًا وبوضوح تام "«أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضًا أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الإِنْسَانِ جَالِسًا عَنْ يَمِينِ الْقُوَّةِ، وَآتِيًا عَلَى سَحَاب السَّمَاءِ»"(مر12:14. مت64:26). أمام هذه الإجابة غير المتوقعة مزق رئيس الكهنة ثيابة مظهرًا هكذا غضبه البين (مر63:14). عبارة "أنا هو" تأتي من النصوص النبوية, وكانت من ضمن اللغة الليتورجية لديانة إسرائيل وتعني الإعلان الإلهي الذاتي. يسوع ومرات كثيرة قد إستخدم هذه العبارة المقدسة والمفخخة, مثلما وقتذاك بسببها أراد اليهود أن يرجموه (يو58:8ـ59), كذلك وساعات قليلة من قبل ذلك أمام تلاميذه علي المائدة الفصحية والإفخارستيا (يو19:13). لكن هذه المرة عبَّر يسوع عن شهادته الذاتية بتعبير ليتورجي ومقدس "أنا هو = أنا أكون لم تكن هذة الشهادة أمام الشعب البسيط أو تلاميذه وأتباعه بل أمام الزعامة الدينية وأيضًا أمام منصة المحكمة العُليا, في وقت رسمي وإجراء علني مسموع. وهذا كان عمل خطير.
كان يهدف قيافا رئيس الكهنة إلي توريطه والتضيق عليه بقبول التهمة, إنتهز الفرصةً ليصف يسوع "مجدف" وإتخذ قرار إدانة بالموت. رئيس المحكمة العُليا ليس في إحتياج لشهادة أخري لأن إعتراف يسوع بأنه يعتبر ذاته "إبن الله" هو كافي. لا يحتاج أي أقوال في القضية ولا شهود إدانة آخرين. قد سمعوا القضاة بآذانهم الإعتراف الرهيب وصاروا شهود لإمتلاكه غير المقدس لعبارة " أنا هو" الليتورجية والإعلانية. لا يمكن أن يوجد أي اعتراض. القرار قد خرج بالفعل "فَمَزَّقَ رَئِيسُ الْكَهَنَةِ ثِيَابَهُ وَقَالَ:«مَا حَاجَتُنَا بَعْدُ إِلَى شُهُودٍ؟" (مر63:14). تمزيق الرداء هو عمل رمزي, إعتراض فائق.
المحقق رئيس الكهنة وفق القانون عليه أن يسأل الشعب بخصوص إتهام التجديف, لكن من أي جهةٍ لم يظهر أي رد فعل. ووقتذاك سأل القضاه السؤال الأخير: " مَاذَا تَرَوْنَ؟» فَأَجَابُوا وَقَالوُا :«إِنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ»" (مت66:26). وأيضًا, بدون أي إستثناء, الكل قد قَبلِ بأنه مذنب ويستحق الموت "قَدْ سَمِعْتُمُ التَّجَادِيفَ! مَا رَأْيُكُمْ؟» فَالْجَمِيعُ حَكَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ مُسْتَوْجِبُ الْمَوْتِ" (مر64:14). كان من بين القضاه الحاضرون غمالائيل ونيقوديموس المعروفان لنا. لقد وافقا علي قرار الإدانة, حتى لو كانت موافقتهم بغير إرادتهما, أو أنهما صمتا. لقد رأينا نيقوديموس يظهر متأخرًا أثناء ساعة دفن المسيح, ربما في موقف عملي برهن علي إهتمامه بيسوع.
رئيس الكهنة حنّان وقيافا, الواحد كمدعي عام والآخر من خلف الستار, قد نجحا في الفوز بقرار إدانة غير متوقع بالإجماع, كما أرادا قرارًا قانوني ووفق الناموس, روح وحرف الناموس. أما يسوع فلم يحتاج للدفاع ولا رفض الإتهام الأساسي بخصوص الإعتراف بخاصيته الماسيانية. كان دائمًا لديه إدراك واعي بأنه حقًا الماسيا وإبن الله. أما تلك العبارة الحرجة والاعلانية "أنا هو" التي إستخدمها المسيح لكي يعلن عن ذاته ويُظهر طبيعة سر شخصه ورسالته, أُدركت إدراكًا صحيحًا من الشعب ومن الزعامة الدينية, حتى لو كان الآخيرون لم يقبلوة ووصفوا إعترافة هذا بأنه تجديف.
في الصباح الآخر وفي إنعقاد عاجل للسنهدريم, محكمة إسرائيل العُليا, "المجلس" حيث إشترك فيما عدا رئيس الكهنة ورئيس السهندريم, الشيوخ والكتبة تم التصديق وتوثيق قرار الإدانة "في إسم الله" واصفًا يسوع الناصري بأنه "مجدف" و"نبي كاذب" وبالتالي مذنب للموت (مت1:27. مر1:15. لو66:22).
لكن لدينا خلف الواقع التاريخي لمحاكمة يسوع وخلف كل نوع من أنواع الوضاعة التي تحملها من البصق عليه وتغطية رأسه والإستهزاء به واللطمات (مر65:14), تفسير لاهوتي عميق لآلام يسوع.لقد كرز يسوع هنا علنيًا وفي لحظات فاصلة بين الحياة والموت بأنه الماسيا بمصطلح يهودي تقليدي محبوب للغة الأدب الرؤيوي من خلال تعليم دانيال اللاهوتي عن إبن الإنسان. نصوص الأناجيل الثلاثة الأولي ليس بها إهتمام محدد فقط للطبيعة القانونية للقضية,بل هي تقود الفكر تجاه الملمح اللاهوتي الجوهري لمحاكمة يسوع كعمل تحرري للبشر من خطاياهم.
الإنجيل الذي يستعرض بالحري الملمح النمطي لمحاكمة وآلام يسوع هو إنجيل يوحنا. يسوع في كل فترة نشاطه العلني عُرقِل في عمله وأُضطهد بإستمرار. بالفعل منذ البداية كان يهدف اليهود إلي موته (يو18:5) ودائمًا "كانوا يطلبون قتلة" (يو16:5). الموضوع المتأزم الذي كان ضده هو الموضوع الماسياني وبالحري المناداة بأنه إبن الله, الأمر الذي أدركه كل الشعب (يو18:5, 15:8, 22:10, 7:19). القبض عليه والمحاكمة كانت التوثيق والتأكيد علي عداوة الزعامة الدينية تجاه شخص يسوع. أما بالنسبة للتناول اللاهوتي سوف نتحدث عنه بالأكثر في نهاية موضوعنا.
وبينما كل هذا يحدث بخصوص المحاكمة النهائية ليسوع من الزعامة الدينية, الإنجليون يؤكدوا علي الهجران التام من جانب تلاميذه وأصدقائه وتابعيه في تلك الليلة الرهيبة. حقيقة إنكار بطرس الثلاثي في فناء بيت رئيس الكهنة أثناء المحاكمة الليلية تنضم كجزء من الانكار العام ليسوع من الكل, بالإضافة إلي التأكيدات المضادة التي قد قام بها مِن قبل (أنظر مر29:14,....الخ).
لقد أدان اليهود يسوع لأنهم لم يعترفوا بهويته الماسيانية. لكن أيضًا بطرس الذي قد إعترف بأن معملة هو المسيح والماسيا بعد الإعلان الفوقاني له من قِبَل الله (مر29:8), الآن يرفضه وبقسمٍ (مت72:26). دموع بطرس التي كانت بعد إنكاره, كانت دموع توبة (مت75:26. مر72:14), لم تضيف ـ للأسف ـ شيئًا علي القضية كلها من جهة التطور التاريخي للأحداث. ببساطة يُظِهر بُعد آخر داخلي وتستعيد علاقة كنسية وأُخروية للتلميذ الرسول مع يسوع بكونه المسيح والرب. نفس الأمر عدم مبالاة يهوذا بتدخلة لكي يعترف أنه أسلم "دمًا بريئًا" وبإرجاع "الثلاثين فضة للرؤساء والشيوخ" (مت3:27ـ4), لم يحمل أي نتيجة إيجابية ليسوع. بالفعل قرار الإدانة قد إشترك فيه يهوذا الذى رأى أن الوقت متأخر لكي يوقف الأحداث, أُقتيد هو ذاته إلي إنتحار مأسوي, بكونه حقًا "إبن الهلاك" (أع18:1. يو12:17).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق