الخميس، 21 أبريل 2011






صلب وموت المسيح



ج।باترونس - استاذ العهد جامعة اثينا-ترجمة د جورج عوض



بالنسبة للإنجيلي يوحنا, قرار إدانة يسوع فوق الصليب له أهمية كبيرة ليس فقط أهمية تاريخية بل ولاهوتية. مرات كثيرة يذكر الإنجيلي في إنجيله الرابع أقوال يسوع ذاته عن إرتفاعة مع التشديد علي أنه "وَأَنَا إِنِ ارْتَفَعْتُ عَنِ الأَرْضِ أَجْذِبُ إِلَيَّ الْجَمِيعَ». قَالَ هذَا مُشِيرًا إِلَى أَيَّةِ مِيتَةٍ كَانَ مُزْمِعًا أَنْ يَمُوتَ" (يو32:12ـ33). إذن, طالما جاء قرار الموت, كان ينبغي أن يُصلب. رَفع إبن الإنسان علي الصليب كان جزء من خطة التدبير الإلهي (أنظر يو14:3, 28:8). جتى ذلك الوقت, تجنب يسوع الموت بالرجم. لكن الموت علي الصليب قد قبله.
كثيرون قد عبروا عن رأي مفاده أن كل إشارات الأناجيل في محاولة بيلاطس أن يقنع اليهود فيما يتعلق ببراءة يسوع, هي ملمح دفاعي وليست لها جدارة تاريخية. يستندون علي أن هذه الأناجيل قد كُتيبتِ تحت ظروف جديدة في نهاية القرن الأول, حين تأسست الكنيسة ونمت في عالم أممي وروماني تمامًا. إننا نعرف أن اليهود في ذلك العصر لم يكن لديهم حق فرض جزاء الموت ولأجل هذا تجسيد قراراهم ضد يسوع كان قضية ليست تصديق بل أيضًا تنفيذ من الرؤساء السياسيين والعسكريين. الفحص الموضوعي للأحداث هو قادر علي أن يقنعنا أن أولئك الذين ملقاه عليهم جوهريًا مسئولية موت يسوع زعماء الأمة اليهودية مع مجمع السنهدريم برؤساءه وشيوخه والكتبة والفريسيين, أي جمع الزعامة الدينية والفكرية لشعب الله "المختار" هم المحركين الأساسيين للفعل الإجرامي الكبير لأجل موت إنسان برئ المجرمون الحقيقيون هم الزعماء الدينيين اليهود الذين إستخدموا خوف بيلاطس, وتعصب الشعب وخيانة يهوذا. الملمح الدفاعي للنصوص أتي هنا في المرتبة الثانية.
كل إجراءات المحاكمة السياسية إنتهت في منتصف نهار الجمعة يسوع أُقتيد بأمر بيلاطس خارج أسوار أورشليم, إلي وادي الجلجثة الصغير لكي يُصلب من القسم العسكري المختص بالتنفيذ والذي يرأسه قائد مائة وأُجبر أن يحمل علي كتفيه الصليب الخشبي الثقيل, هكذا كانت العادة للمحكوم عليهم, وفقط متأخرًا, عندما صار مستنزفًا من الجلدات والتعب كان من المستحيل أن تستمر مسيرته الصاعدة فرضوا مسألة نقل الصليب لفلاح تصادف أنه كان يمر إسمه سمعان القيرواني (مر21:15). بالتأكيد, هذا الموكب المؤلم كان يضم نساء "كُن يلطمن وينُحن عليه" (لو27:23). تحمل المسيح كل أشكال الألم بتنازل إلهي. لم يقبل النحيب كما لم يقبل بعد ذلك كأس الخمر الممزوج بالمُر الذي قدموه إليه لكي يخفف آلامه (مر23:15). وقال للنساء, "بنات أورشليم" : "لا تبكين عليَّ بل إبكين علي أنفسكن وعلي أولادكن" (لو28:23). ليتنا نتذكر هنا, عندما برأ بيلاطس منذ قليل: يسوع " فَلَمَّا رَأَى بِيلاَطُسُ أَنَّهُ لاَ يَنْفَعُ شَيْئًا، بَلْ بِالْحَرِيِّ يَحْدُثُ شَغَبٌ، أَخَذَ مَاءً وَغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الْجَمْعِ قَائِلاً:«إِنِّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذَا الْبَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!». فَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْب وَقَالُوا:«دَمُهُ عَلَيْنَا وَعَلَى أَوْلاَدِنَا»" (مت24:27ـ25).
لقد إستمرت التصرفات الوضيعة والمؤلمة ليسوع كلحظة أخروية. جرّدوه من الثياب في الموضع المحدد للصليب وتركوه عاريًا وهم يستهزئون به. أمام الموت لدي الإنسان علي الأقل حق الكرامة, لكن يسوع لم يكن لديه ولا هذا الحق. عُرِض عاريًا أمام الأنظار الفضوليه والشرسه وأُستهزء به بينما إقترع الجنود علي ملابسه (مت35:27). الإنجليون ببساطة شديدة وبدون أي حَرفية ذكروا في النهاية بإيجاز صلب يسوع, أما الحوادث العظيمة والمؤثرة لم تُوّصف.

علي الجانب الآخر, إهتمام الإنجيليين لا يُوجد في مستوي حالات المشاعر والتحليلات النفسية, بل في التناول التاريخي للواقع وأصالة آلام يسوع فقط, المسيح صُلِب "ومعه لصين واحدًا عن يمينه وآخر عن يساره" (مر27:15), لكي يظهر حجم الشر تجاه إحتقار يسوع. المسيح صُلِب مع الأشرار واللصوص (لو32:23) وهذه وضاعة زائدة وإحتقار مبالغ فيه حتى لو كان لدينا هنا تتميم لنبوة "وأحصي مع أثمة" (أش12:53, مر28:15), لكي يظهر في النهاية أن موت يسوع بالإضافة لكل هذا صار وفق الكتب المقدسة.
تتابعت الإهانات والسخرية والشتائم من جانب خُدَام رؤساء الكهنة والكتبة الذين كانوا موجودون كشهود لتطبيق الحكم بالموت علي يسوع, كذلك من اللصين اللذين صُلِبا معه. صمت يسوع أمام هذه الإستفزازات مثلما أيضًا أثناء فترة الحكم, وفقط عندما صرخ واحد من اللصين "أذكرني يارب متى جئت في ملكوتك" أجاب مؤكدًا له أنه "اليوم تكون معي في الفردوس" (لو42:23ـ43). لم يطلب يسوع في اللحظات الحرجة للضعف البشري أي معونة بل منح الرحمة والمغفرة, ليس فقط تجاه اللص المصلوب بل أيضًا تجاه مضطهدية وصالبيه: "فَقَالَ يَسُوعُ: «يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا" (لو34:23).

5ـ أقوال يسوع الآخيرة علي الصليب:
تعبيرات وكلمات كل الرجال العظماء قد ظلت تاريخية هكذا أيضًا الأناجيل حفظت لنا أقوال يسوع الآخيرة علي الصليب بقداسة عظيمة. واحدة من هذه الأقوال موجودة في إنجيلي متى ومرقس قيلت كنوع من الصلاة: "إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟" (مت46:27. مر34:15) لوقا الإنجيلي حفظ لنا ثلاثة أقوال. لقد سبق وذكرنا أثنين من هذه الأقوال والتي تقدم غفران تجاه اللص وصالبيه (لو34:23, 43:23), والقول الثالث يعبر عن التسليم النهائي لروح يسوع "في يدي" الله: "وَنَادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَ: «يَا أَبَتَاهُ، فِي يَدَيْكَ أَسْتَوْدِعُ رُوحِي». وَلَمَّا قَالَ هذَا أَسْلَمَ الرُّوحَ" (لو46:23). أخيرًا, سَّلم لنا يوحنا تعبير يسوع فيما يتعلق بذاته, كتلميذ "محبوب" : "فَلَمَّا رَأَى يَسُوعُ أُمَّهُ، وَالتِّلْمِيذَ الَّذِي كَانَ يُحِبُّهُ وَاقِفًا، قَالَ لأُمِّهِ:«يَا امْرَأَةُ، هُوَذَا ابْنُكِ»" (يو26:19). والكلمات الآخيرة المؤثرة: "أنا عطشان" (يو28:19) و"وقد أكمل" (يو30:19).
وُضِع من كثيرين من المفسرين سؤالاً, هل هذه التعبيرات والكلمات لديها أصل تاريخي؟ وهل هذه الأشياء قد أتت من فم يسوع؟ ما يسبب مشكلة هي أن هذه الأقوال والتعبيرات مذكورة في الكتب المقدس, كما في مزامير 21و30 أو لها صدي نبوي حيث أخذت فيما بعد صبغة ليتورجية (أنظر أش53). لدينا معلومات من مصادر مختلفة لذاك العصر, أن أحد المحكوم عليهم رافقه فيما عدا الذين ينتمون إلي السلطة المدنية, جمع من الناس وأصدقاء وأقارب كمشهد إنساني. بين المحكوم عليه والأصدقاء تبادلت فيه كلمات وتعابير تعزية وتعضيد وأيضًا الواجبات الأخيرة للأقارب وقد صارت علي مسمع الجميع.
هكذا, لم يكن من غير المحتمل أن يسوع قال هذه التعّبيرات الأخيرة, طالما كان بجوار الصليب تلميذه المحبوب يوحنا مع أمه مريم (مر40:15, يو25:19). الأكثر إحتمالاً هو أنه قال أكثر من هذه الأقوال, لكن الإنجليون حفظوا لنا الأكثر أهمية وتأثرًا بدون شك, كان علي يسوع أن يستخدم الحق الذي يعطيه القانون بأن يكلف أحد بالإهتمام بأمه, وفي هذه الحالة إلي تلميذه المحبوب يوحنا (يو26:19, ....الخ).
هذا بالطبع لا يعني أن هذه التعبيرات حفُظت من جانب الإنجليين علي شكل أو اللغة التي قيلت بها. لكن ملمحهم الأول ومفهومهم الأساسي ظلَّوا بلا تغيير ولا سوف ننحاز للرأي الذي يقولوه كثير من المفسرين بأن يسوع قد إستخدم بأهداف رعوية, الصليب كـ "مِنبر" للكرازة لأعداءه ومحاربية بالغفران والتوبة. أو أن الرب وَجَد "فرصة" أن يعظ ويعلم الأمم. هذا قد فعله يسوع مرات كثيرة من قبل. الآن كانت لحظة إنسانية حرجة حيث يعبر عن قلقه ومشاعره ويذكر كل تاريخه وحياته إلي الله الآب, إليه يسلم روحه ويذكر "نهاية" عمله.
6ـ نزول جسد المسيح ودفنه:
يختم الإنجليون سرد الآلام بالفقرة الموجزة والمصغره لدفن جسد المسيح وموت المسيح هو واقع تاريخي بلا شك. وُضِع جسد المسيح في قبر معين, بعد طلب يوسف الذي من الرامة وبعد التأكيد الدقيق من الجنود المسئولين عن تنفيذ حكم الموت, بأن يسوع كان بالفعل ميت. بعد إجراءات الدفن, من المحتمل بواسطة نساء الصليب, ويوسف بمساعدة نيقوديموس الصديق "السري" ليسوع وأيضًا عضو مجمع السنهدريم وضعوا جسد يسوع في قبر جديد لم يُستخدم من قبل وختموا القبر بحجر كبير لحمايته من أي أعمال إنتهاك حُرمات وناقبي القبور (مت57:27ـ61, يو38:19ـ42).
كانت مسيرة يسوع التاريخية علي الأرض لها هذه النهاية التراجيدية. كمثل أي إنسان وُضع جسده المادي في الأرض. القبر هو واقع حقيقي بلا شك. وموته لا يقبل أي أدني شك. بعد الدفن,رحل الأصدقاء والأقارب حزاني. رؤساء الكهنة والفريسيين دخلوا علي بيلاطس, لكي يضع حُراس علي القبر "إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلاَّ يَأْتِيَ تَلاَمِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ: إِنَّهُ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلاَلَةُ الأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الأُولَى!" (لو64:27). حقًا, لأي شيء وارد, القبر "خُتم" و"أُمِن" جيدًا وفرقة من الحُراس عُينت لكي تقوم بأعمال حراسة جسد يسوع (مت66:27).
لقد تحقق غير المتوقع وغير المحتمل. الكلمة المتجسد, يسوع المسيح, إبن الإنسان والله الذي في مسيرته وحياته التاريخية الذي كرز بإنجيل ملكوت الله " جَمِيعُ الَّذِينَ كَانَ عِنْدَهُمْ سُقَمَاءُ بِأَمْرَاضٍ مُخْتَلِفَةٍ قَدَّمُوهُمْ إِلَيْهِ، فَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَفَاهُمْ " (لو40:4), الذي أقام إبنه يايروس,وإبن أرملة نايين وصديقة المحبوب لعازر, الذي تحدث عن ذاته بأنه "ماء الحياة" و"خبز الحياة الأزلي" "الذي حمل أوجاعنا وأمراضنا" والذي أتي "لكي يخلص العالم", الآن وضِع ميتًا في قبر بشري!
7ـ التناول اللاهوتي لحدث الصلب:
هذه الأحداث التاريخية الأخيرة تحتاج أيضًا إلي تناول لاهوتي لأن غير ذلك موت يسوع علي الصليب كان سيكون عبارة عن نهاية إخفاقية وقدرية لحياة إنسان, إنسان كان شاهدًا للحق والبر. موت المسيح كان واحد من الأحداث الأساسية للكرازة المسيحة الأولي وللتعليم اللاهوتي للكنيسة الأولي. من البداية موت يسوع له علاقة بالتعليم اللاهوتي لموت الماسيا في سفر أشعياء وُفسِر كتحقيق مباشر للنبوة القديمة أن المسيح مات "لأجل خطايانا" وأيضًا "بحسب الكتب" (1كو3:15), إنه جزء من التقليد المسلم للكنيسة قبل بولس الرسول. التأكيد علي أن "المسيح المصلوب" كان "عثرة لليهود وجهل لليونانيين" (1كو25:1), يساعدنا أن نتحقق من أن هذا "التقليد" عن موت المسيح الفدائي والخلاصي كان قناعة متسعة للشعب وليس مجرد فكر لاهوتي لمجموعة الرسل.
بالتأكيد, بالنسبة لليهود كان عمومًا من الصعب جدًا وتقريبًا غير مفهوم أن يقبلوا بسهولة موت إبن الله وإبن الإنسان, أي الماسيا الذي إنتظروه في مجده وقوة ملك بيت داود, وأيضًا مثل هذا الموت علي الصليب وبطريقة مخزية تحسب لعنة. النبوة عن العبد المتألم الواردة في سفر أشعياء كانت هامة جدًا من جانب صياغة وتعبير لموضوع موت الماسيا الغامض. لكن غير مفهوم بالنسبة للشعب وللذين يعرفون الكتب المقدسة نظريًا كان مدركًا. عمومًا كان بالنسبة لكثير من الشعب قضية صعبة. لم يستطيع الكثيرون أن يعتقدوا بأن الماسيا يتألم مثله مثل الناس العاديين.
لأجل ذلك, تفسير موت يسوع فوق الصليب أُعتبر أمرًا هامًا وضروري وسوف يلعب دورًا أساسيًا في صياغة الإيمان المسيحي, وفي تشكيل عبادة الكنيسة فيما بعد. الإنجيل المسيحي والكرازة الرسولية هما لا يُدركا بدون حدث صلب وموت المسيح. بالنسبة لزمن العهد الجديد "أسلمه رؤساء الكهنة وحكامنا لقضاء الموت وصلبوه" كانت هذه القناعة تقليد عام (لو18:24ـ20). الأمر الذي هو ضروري كان التفسير الصحيح لإدراك حدث الصليب هذا, في مسيرة يسوع التاريخية, يمكن أن يُعتبر بلا شك كحدث تاريخي, وأيضًا حدث حاسم وفعّال للتدبير الإلهي وذلك لخلاص العالم.
موت المسيح كان, بالتالي, ضروريًا في خطة التدبير الإلهي. لأجل هذا أيضًا موت يسوع فوق الصليب, بالرغم من شكله المهين وملابساته في تحقيقه لا يمكن أن يُعَتبر كنتيجة طبيعية لإرتكاب جرائم شخصية ما أو نتيجة أفعال مخالفة للقوانين, لكن كتعبير لمحبة الله الفائقة للعالم. البرهان هو, أن الله أقام المسيح المصلوب والمدفون من الأموات "في اليوم الثالث". هكذا, صارت القيامة مفتاح لتفسير موت يسوع الخلاصي, طالما بكونه المسيح "مات لأجل خطايانا" (1كو3:15).
لقد كتبت في كتابي الصادر حديثًا بعنون: مواضيع لاهوتية في العهد الجديد, المجلد الأول "الكرازة الرسولية في الكنيسة الأولي" مشددًا علي الآتي: "موت يسوع لم يكن مجرد نهاية لمصير بشري عادي. كان إختيار شخصي لخلاص الإنسان. سُلِم هو نفسه إراديًا لكي يُظهِر بصوته إفلاس الإنسانية ومحبة الله الخلاصية غير المتناهية. وهذا الحدث هو ظاهر وواضح بشدة ليس فقط في النصوص الإنجلية بل أيضًا في الكرازة الرسولية. وهذا يرجع بالتأكيد للأهداف العقيدية الأساسية العامة التي لدي الكرازة الأولي, وأيضًا إلي الأهداف الدفاعية والوعظية لها. وهذه الأقوال كانت هي أساسية لحياة وتاريخ الكنيسة الأولي " (ص117).
نلخص بعض العناصر التعليمية عن موت يسوع علي الصليب, ونشدد علي أنه من جانب البحث التاريخي والتعليمي اللاهوتي لم يكن موجود أي شكوك جوهرية فيما يتعلق بأحداث الحكم بالموت علي يسوع وصلبه, ولا من الجهة الليبرالية تدعيم هذه الحوادث من جانب هؤلاء لكي يُعطَّي تشديد علي العنصر البشري علي حساب الإلهي. الصليب والموت يستلزمان بالتأكيد ولادة يسوع ووجودة التاريخي, لكن لا يحجمان التعاليم اللاهوتية للتجسد الإلهي.
لأجل هذا, بالضبط, هناك حيث ظهرت مشكلة تتعلق بالأحداث الأخيرة لحياة وتاريخ يسوع, كان جوهريًا في تفسير موت المسيح علي الصليب, خاصةً كما قُدِمت من جانب الرسول بولس كذبيحة "لأجل خطايانا". إن بولس, حقًا أعطي تشديد خاص علي الكرازة بذبيحة يسوع المسيح الفدائية, لكن لم يكن بولس الأول الذي أعطي مثل هذا التفسير. هذا التعليم هو كان قبل بولس وفي كل تعاليم العهد الجديد. خاصةً, أيضًا في تلك التعاليم الموجودة في سفر أعمال الرسل, تعاليم بطرس الذي قام بدور رئيسي وإسطفانوس أول الشهداء. وهذا حدث, لأن الكنيسة من مبكرًا جدًا تربط موت يسوع بالعبد المتألم الوارد في سفر أشعياء, كما بالفعل شددنا علي ذلك, أي بالشكل النبوي للملمح الماسياني والأخروي.
حقًا, بالنسبة لليهود كانت صعوبة رهيبة أن يقبلوا ويدركوا موت الماسيا التراجيدي والمهين, الذي توقعوة أن يكون قويًا, شديدًا وممجدًا. فكرة موت الماسيا تحت اللعنة كان بالنسبة لهم عثرة حقيقية. لكن بالنسبة للمسيحين, الإيمان بيسوع بكونه مسيح ورب, بدون أي إشارة للموت علي الصليب, كان غير مُدّرك تمامًا. لأجل هذا, كرازة بطرس وبولس وإسطفانوس وكل عظة رسولية تنتهي دائمًا بنوع من التكرار الهام: "نكرز بيسوع المسيح وإياه مصلوبًا" (1كو23:1, 2:2). هذه الذبيحة تعبر أيضًا عن محبة الله الفائقة للعالم. لأجل هذا السبب أيضًا كانت الكنيسة تربط كل أسرارها الخلاصية بذبيحة إبن الله. إنه معروف, أن الأسرار الأساسية وبالحري المعمودية والإفخارستيا يرتبطان بموت المسيح (رو3:6...الخ). لقد إعتمدنا في موت المسيح (نأكل ونشرب جسد ودم المسيح).
بالتأكيد, كل إنسان يُنهِي حياته بالموت. لكن موت يسوع لم يأت كنهاية تراجيدية لمصير وحياة إنسان. علي النقيض, موت يسوع هو إختيار شخصي حُر وقرار لتقديم ذاته ذبيحة لأجل خلاص العالم. يجب أن نشدد علي أنه من جهة النصوص المقدسة, كل الإنجليون ذكروا وأيضًا بتوسع مقارنةً بالأحداث الأخري, القبض والحكم وموت يسوع علي الصليب. في الأناجيل الثلاثة الأولي, يبدو أن النصوص كُتبت منذ البداية لكي تنتهي إلي ذبيحة الصليب. وهذا يظهر مدي محورية الموضوع وأهميته, أقصد موضوع الصليب وموت يسوع بالنسبة للمسيحية الأولي, وكم هي الأهمية العظمي التي لدي هذه الأحداث بالنسبة لتعليم وحياة الكنيسة.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق