الأحد، 24 أبريل 2011








ظهورات القائم




ج।باترونس-استاذ العهد الجديد-جامعة اثينا-ترجمة د جورج عوض
الإيمان المسيحي بخصوص القيامة لا يتعلق فقط بالقبر الفارغ, يُوجد في علاقة مباشرة أيضًا مع ظهورات المسيح القائم.
وهذان
الحدثان هما يعتمد الواحد علي الآخر في الأناجيل المقدسة (أنظر لو22:24,...الخ). إنه شهادة أن قائمة الظهورات الأكثر قِدمًا حُفظت عن طريق بولس الرسول لكن هذه القائمة, كذلك أيضًا الإشارات الأقدم للظهورات أتت بدون أي شك من التقليد والإعتراف قبل بولس الرسول, كما ذكر الرسول ذاته في (1كو3:15,...الخ), ومن المحتمل أن لها علاقة بالجماعة المسيحية في أنطاكيا.
وفق الإعتراف الذي هو قبل بولس وقائمة بولس ذاتها, يسوع القائم ظهر أولاً لبطرس, ثم "الأثني عشر" وبعد ذلك ظهورات للسبعين أخ, وليعقوب أخو الرب, ثم لكل الرسل, وفي النهاية لبولس ذاته. وبطرس وُضِع هنا كالأول في قائمة الظهورات.
هذا التقليد الخاص بالظهورات والذي حُفِظَ وألقي بظلالهعلي كل جوانب النصوص المقدسة (أنظر لو34:24. يو15:21,... الخ, 1كو5:15), لديه كهدف أن يشكل علي الأرجح "نموذج" للدعوة الرسولية بمعيار دائمًا خبرة القائم. الأهمية التاريخية واللاهوتية لحالة معينة لظهور القائم إسميًا تجاه بطرس هي عظيمة جدًا ولها مفهوم إستعادة التلميذ للرسولية بعد حدث إنكاره. بالتالي, كل دعوة للرسولية تظل موثقة ليس فقط وجود شروط أساسية, بل بالحري بسبب معيار الشركة مع المسيح القائم (أنظر 1كو8:15).
إشارة ثانية إسمية لقائمة الظهورات هي تلك التي نحو يعقوب أخو الرب الذي ذكرها بولس الرسول (1كو7:15) والتي هي مؤثرة لأنها الظهور المميز هذا لم يُذكرَّ من جانب أي أحد من الكُتَّاب المقدسين। لقد زعَم مفسرون كثيرون أن هذا التقليد عن ظهور القائم ليعقوب يمكن أن يُعبَّر أيضًاعن الأقدم من كل الظهورات, لأنه ينتمي تمامًا إلي تقليد أورشليمي। بالتالي, النص المتعلق بيعقوب عند بولس الرسول (1كو7:15) يُحتمل أنه يُعبَّر عن تقليد أكثر قدِمًا من ذلك النص عن بطرس (1كو5:15) ومن الممكن يُوضع قبل 55ب م, زمن كتابة رسالته। يبدو أن له هدف إلقاء الضوء علي أن يعقوب هو "أول" أسقف لأورشليم। بعد ذلك متأخرًا فقط ظهر بطرس في رأس قائمة الظهورات وله هدف أيضًا هو عرض من جماعات أخري كـ "الأول" في رتبته الرُسل. بالضبط لأجل هذا أيضًا الجماعية المسيحية في أنطاكيا, والتي بها يرتبط إرتباطًا شديدًا بالتقليد الأكثر حداثة لبولس (1كو5:15), يصمت عن يعقوب ويضع بطرس مثلما يفعل كل الكُتاب القديسين (أنظر لو34:24. يو15:21,...الخ).
أيضًا شهادة دلالية هي أن إسم يوحنا لم يُوضع في أي قائمة لظهورات الرب, بالرغم من أن الإنجيل الرابع يشدد علي أن التلميذ المحبوب كان الأول الذي عَرِفَ القائم في واحدة من ظهوراته في بحر طبرية (يو7:21). بالتأكيد, نستطيع أن نقول, أن الإنجيل الرابع يُظهِر بالحري إهتمامًا أساسيًا بالقبر الفارغ أكثر من الظهورات الشخصية (يو2:20,...الخ). التلميذ المحبوب رأي القبر الفارغ وآمن (يو8:20). لم يحتاج هو نفسه لأي ظهور شخصي, ولا أن يؤمن ولا يستعيد ذاته لأي شك في رسوليته بسبب أي زعزعة إيمان. بالنسبة للإنجيل الرابع, تلك الأشخاص التي رأت وعرفوا أولاً القائم, لم يكن لا بطرس ولا يعقوب ولا يوحنا نفسه بل النساء حاملات الطيب وخاصةً الأولي منهن مريم المجدلية (يو11:20,... الخ).
من جملة الظهورات, تذكر الأناجيل أيضًا وتستعرض بالأخص ظهور المسيح لسمعان بطرس (لو34:24), وذلك الظهور للأحد عشر (مت16:28ـ20. مر14:16ـ8. يو19:20ـ20), كذلك أيضًا لبعض التلاميذ غير معوفين لنا اليوم, لكن كانوا (مع الرسل) (لو34:24). ذكرت الأناجيل آخرين أيضًا, مثل تلك الظهورات لمريم المجدلية وللنساء التي كُن برفقتهما (يو11:20ـ18. مت9:23ـ10. مر9:16ـ11), مثلما أيضًا ظهور المسيح لتلميذي عمواس (لو13:24ـ55. مر12:16,...الخ). لدينا أيضًا ظهورات لسبعة تلاميذ من بينهم سمعان بطرس وتوما وناثنائيل ويعقوب ويوحنا وإبني زبدي وأثنين آخرين لم تذكر أسمائهما (يو1:21ـ23).
كل النصوص الإنجلية الخاصة بالقائم, يجب أن تشدد علي أنها لا تخضع لأي نوع من "الأدب الرؤيوي" لأنه جوهريًا هي خبرات ووقائع تاريخية ولأجل هذا لا نري أنها تعلن أي شيء سري ولا تلقي موضوعًا علي المجد الأخروي. أنها تشدد علي مؤانسة القائم مع هذه الشخصيات وتركز علي أهداف إرسالية التلاميذ والرسل لكي يستمروا في عمل معلمهم.
أيضًا النصوص الإنجيلية بخصوص ظهورات الرب لديها هدف مزدوج آخر: الأول, القائم هو حياة شخصية تعمل في التاريخ ويُظهر ذاته تجاه ما يريد. الثاني: القائم هو حاضر ويظهر في وجود بشكل جديد وواقعي الذي هو "منور" و"ملموس" حتى لو لم يقع من ضمن مستويات الإنسان والحاضر الطبيعة والفكرية. القائم ليس هو واحد من إنسان قام من جديد مثل لعازر, من قبره. ليس أيضًا ظهور خيالي لشخص ميت يترك فينا إنطباعًا وتأثرًا لكن الرب القائم لديه "جسد" وتناول طعامًا, وصنع شركة مع تلاميذه, حتى بالرغم من انه دخل والأبواب مغلقة ولم يقبل حدود الزمن والمكان. الإنجليون لم يشرعوا أبدًا في أن يشرحوا لنا هذه الأحداث ولا حاولوا أن يفسروا لنا ماذا يعني أنه "ظهر بهيئة أخري" (مر12:16). لقد كانوا يعرضون الأحداث, ويؤكدوا لنا حقيقتها ولا يدخلون في تحليل جدلي لظهورات وإنطباعات.

3ـ المفهوم الكنسي للظهورات:
يجب أيضًا أن نشدد هنا علي أن نصوص ظهورات الرب القائم لا تعبر عن خبرات الرسل أو الكُتَّاب القديسيين الداخلية والروحية, بل هي تسجيلات كتابية لأحداث تاريخية قد تحققت وتأكدت أمام جماعة من البشر, جماعة الأثني عشر وأيضًا جماعة الكنيسة الأولي. وفي تلك الحمالات التي لدينا ظهورات شخصية لأفراد, مثل سمعان بطرس ويعقوب أو توما وأيضًا هذه الظهورات توجد في علاقة مباشرة مع جماعة الأثني عشر والكنيسة.
هذا العنصر الكنسي هو واضح وضوحًا شديدًا في النصوص المقدسة الخاصة بالظهورات. وعبارة "أُظهر أيضًا يسوع نفسه للتلاميذ" (يو1:21), تظهر بالضبط البُعد الكنسي لهذه الظهورات. وتعلن لنا المفهوم الأساسي للظهورات لصفا وتوما وتلميذي عمواس, للأحد عشر تلميذًا والخمسمائة أخ ودائمًا في علاقة مباشرة تجاه الأثني عشر وكل الكنيسة التي يُرمز لها برقم "الأثني عشر". ظهورات المسيح, بالتالي, يجب أن تُدرك في علاقة مباشرة تجاه كل الرسل والكنيسة الجامعة (أنظر غلا15:1).
يُدرك البُعد الكنسي للظهورات أيضًا من حقيقة "شركة" التلاميذ مع القائم والتي عيشت كنتيجة مقابلات بعضهم لبعض. هذه المقابلات تحققت في كل مرة بمبادرة الرب, سواء في أورشليم واليهودية أو في مناطق الجليل وكُتبت كخبرات حقيقية للتلاميذ (أنظر مت9:28ـ10. مر9:16ـ20. يو1:21,..الخ). أثناء فترة هذه الظهورات أعلن التلاميذ هوية القائم ومعلمهم يسوع الناصري, الذي ساروا معه مسيرة ثلاثة سنوات كاملة وكانوا شهودًا لصلبه وموته. هؤلاء الذين رأوه وهو يموت ويُدفن, يروه الآن أيضًا حيًا أمامهم وتعرفوا علي هوية هيئته الأولي الأرضية والتاريخية مع هيئة تلك القائمة والأخري الأخروية. "جسد" القائم, بالرغم من أنه الآن هو "جسد روحي" (1كو44:15ـ49), لم يتوقف أن يكون جسد حقيقي وروحي من الروح ذاته (أنظر رو4:1) وقائم بواسطة الله الآب ذاته (أنظر أع36:2). هذا "الجسد" لا يخضع الآن لمحدوديات الحياة الحاضرة (يو19:20,...الخ), لكن خضع للتأكيدات وأيضًا للمس.
خبرات الظهورات هذه وتفسيراتها المستقيمة تستلزم إدراك حدث القيامة, كحدث أُخروي يُفعَّل في التاريخ. في حالة يسوع المسيح, القيامة لا تعني رجوع إلي الحياة الأرضية الأولي من عالم الأموات, بل تعني دخول لهيئة جديدة للحياة التي لا تقبل بعد الموت (رو9:6). أيضًا علي التوازي أيضًا الخبرات التي تتمم في الزمن لها ملمح تاريخي, حتى بالرغم من أنها تتخطي تعبيرات قدراتنا الحاضرة. لأجل هذا أيضًا الحاجة إلي يقظة شديدة في محاولة تفسير وإدراك هذه الظهورات.
اللغة الكتابية أيضًا في حالة الظهورات لا تقبل أي عملية نزع للخرافة لأن قيامة المسيح ليست خرافة أو أسطورة وتقع من ضمن نطاق النصوص الأدبية الأسطورية. لكن لماذا خبرات الظهورات هذه ليس لديها ملمح ذاتي ما, ولا موضوعتيهم كانت حصريًا قضية مشاعر للواقع الحاضر. علي النقيض, هذه الخبرات تكررت مرات كثيرة, تحت ظروف مختلفة, في علاقة شخصية وعامة, وأُكِدت وسُجلت بمعونة اللغة الأدبية واللاهوتية وكذلك إيمانهم الذي إنطلق من علاقتهم بشخص وعمل يسوع المسيح. ولأنه, كما قلنا, مبادرة الظهورات تنتمي حصريًا للقائم, لا نستطيع أن نقول كيف كان خيال ديني ومريض أُطلق له العنان.
علم النفس يقول, أن خيال الإنسان يعمل طبقًا للقدرات التي لدي الموجود البشري. في حالة الإنسان المحدود في هذا العالم, الخيال لا يمكن أن يبتدع أشياء وحقائق أسمي جدًا من القدرات البشرية مثل قيامة المسيح.
ظهورات القائم كانت ضرورية وكان لديها ملمح فريد في ثبات الإيمان. بعد خبرة موت الصليب الرهيبة والمشهد البائس لميت محبوب يُدفن بكل الإجراءات النمطية التي تفرضها التقاليد (أنظر مر14:16. لو21:24ـ24. يو19:20)و بالتأكيد فقط علي ظهورات القائم كان يمكن أن يقود التلاميذ إلي إيماني ديناميكي مستقيم. منظر القبر الفارغ الذي يمكن أن يُفسَّر بطرق متنوعة, أيضًا كسرقة وإختفاء الجثة, مثلما علي الجانب الآخر أيضًا حدث في حالة يسوع (أنظر لو11:24,..الخ. يو2:20), لم يكن كافي أن يقنع ويدعم الإيمان لمسيرة رسولية شاهدة. ظهر يسوع المسيح "أربعين يومًا" (أع3:1) أو "أيامًا كثيرة" (أع31:13) ويتقن التلاميذ بهذه الظهورات, أنه هو ذاته الذي عرفوه من قبل, أي المسيح الذي من الناصرة الذي رافقوة في مسيرته التاريخية حتى القبر. والآن هو أمامهم ويحيا ثانية منظورًا وملموسًا (أنظر لو9:21,..الخ. أع41:10).
الشعب, بالتأكيد, لم يصر شاهدًا لهذه الظهورات, مثلما كان قد صار مشاهد من قبل لآلامه وموته علي الصليب. ظهر يسوع فقط لتلاميذه ورسله ولجماعة المؤمنين به "وليس للعالم" (يو22:14), لأن العالم ليس قابل لمثل هذه الخبرات ولا يقبل عمل الإيمان. القيامة يمكن أن تُوصف بأنها الموضوع الأساسي والجوهري للإيمان الذي يحرك الرجاء لقبول أيضًا قيامتنا كلنا (أنظر 1كو20:15). لأجل هذا لا يكون "الطوباويون" فقط هؤلاء الذين رأوا القيامة بأعينهم الجسدية وكان لديهم خبرة الظهورات في حياتهم الشخصية, لكن سيكونوا "طوباويون" وكل أولئك في المستقبل الذين بالرغم من أنهم لم "يروا" سيكونوا الـ "مؤمنين" (يو29:20). عدم لإيمان توما في البداية وبعد ذلك إيمانه المؤكد هو صورة لكل مؤمني المستقبل. الإيمان بالنسبة للتلاميذ والرسل كان ثمرة خبرات ظهورات القائم ـ لكن بالنسبة لمؤمني المستقبل الذين ليس لديهم ميزة أن يكونوا شهود لهذه الأحداث العجيبة, الثقة في ذلك التأكيد (اليقين) هو له أهمية سامية. يسوع المسيح هو أيضًا حاضر اليوم في التاريخ وفي الكنيسة وحضوره الإفخارستي يُعرَّف "في كسر الخبز" (لو35:24). لأجل هذا أيضًا كل "مَنْ آمن بي ولو مات فسيحيا" (يو25:11).
4ـ إدراك قيامة يسوع المسيح كحدث محدد وتاريخي
الإيمان الكتابي في القيامة هو مختلف تمامًا عن الفكرة (الإعتقاد) اليوناني عن الخلود ولأجل هذا لا ينبغي أن يصير إختلاط ولخبطة بينهما, مثلما يحدث عادةً مع وعاظ كثيرين ولاهوتيين مفسرين في محاولاتهم أن يصيروا مفهمون من العامة. وفق الفلسفة اليونانية, نفس الإنسان لأنها غير فاسدة من طبيعتها, بعدما تتحرَّر من قيد الجسد بالموت, يأتي إلي حالة الخلود. لكن بالنسبة للكتاب المقدس, كل أقنوم الإنسان النفسي الجسدي إما يموت أو يحي. هكذا, الأعتقاد والإيمان بالقيامة بالنسبة للعالم اليهودي كان من الإعتقادات والتعاليم الأساسية. كل اليهود قبلوا قيامة الأبرار والأشرار لكي يُدانوا في الأيام الأخيرة. مجموعة هرطوقية فقط للصدوقيين ينادون بأنه لا توجد قيامة (أنظر أع8:23). وهذا إستثناء هامشي يُظهِر ملمح هذا الإيمان الأساسي والشامل في كل العالم اليهودي.

بالتالي, كان لا يوجد أي صعوبة في قبول فكرة أيضًا الإيمان بقيامة شخص محدد. عندما ظهر الرسل مباشرةً بعد الصلب يكرزون ليس بفكرة عامة عن قيامة عامة بل الإيمان بقيامة يسوع الذي من الناصرة, أي شخص معاصر ومعروف للجميع, والذي قد رفضوه وحكموا عليه بالموت بسبب عصيانه وتجديفه, هذه الكرازة أُعتبرت مستفزة وجاهلة. الإيمان بالقيامة لمجدف عاصي ونبي كاذب وهرطوقي بحسب معرفتهم وتقديرهم حيث زعمائهم الدينيين والشيوخ والرؤساء قد حكموا عليه بموت مهين علي الصليب, كان حجر بدون عثرة دينية سابقة.
نفس الأمر حدث أيضًا مع الحكماء اليونانيين والأدباء, عندما ذهب بولس الرسول وتحدث في أثينا عن الإيمان بالقيامة في البداية الجميع ظنوا أن الكلام عن فكرة جديرة والتي يقدمها معلم الشرق هذا, مختلفة عن فكرة الخلود التي يكرز بها هؤلاء, وإهتموا فلسفيًا بأن تتكرر هذه النظرية أمام منصة أريوس باغوس: "سنسمع منك عن هذا أيضًا" (أع32:17). لكن عندما اكد أنه لا يتحدث عن فكرة جديدة وتعليم ما جديد, بل عن حدث معين, شخص تاريخي معاصر والذي أقامة الله من الأموات, عندئذٍ فلاسفة أثينا الأبقوريون والرواقيون كان رد فعلهم قاسيًا وسموه حامل "لآلهة غريبة" (أع18:17) "لأنه كان يبشرهم بيسوع والقيامة" (أع18:17).
الأمر الذي له الدلالة أيضًا أن اللاهوت الغربي المعاصر صوب نيرانه تجاه الإيمان بقيامة المسيح وشرع في خلق إنطباع بأن مسألة القيامة كلها كانت نتيجة للميول الحماسية لتلاميذ يسوع وأتباعه في ذلك العصر فاتحين هكذا الطريق لنظرية "نزع الخرافة απομυθευση" عن النصوص الإنجيلية والتي أشرنا عليها من قبل. لكن لو لم يكن قد حدث "شيء" مؤثر فيما يتعلق بيسوع المصلوب والذي دُفِن, كان سيكون من المستحيل, أن يفكروا في مثل هذه النظرية ويربطونها بشخص تاريخي معين من جيلهم ويدافعون عن ما إبتدعوه أمام الرؤساء والمحاكمويخاطرون بحياتهم. ليس فقط من الميول الحماسية قد كانوا هؤلاء مأخوذين بل من سيطر عليهم خوف ورعب شديد من المعروف, أن موت يسوع قادهم إلي الفزع وكانوا مرتعبينمثلما كانوا بعد الصلب إذ تفرقوا وإختبئوا من الخوف من اليهود.
علي الجانب الآخر, إنسان مقتدر وبتكوين نظري ولاهوتي تام, مثل بولس الرسول, لو لم يكن مقتنع بقيامة يسوع وخبرته الشخصية عند باب دمشق, هل كان سيشدد تشديدًا كبيرًا علي "إن لم يكن المسيح قد قام فباطل إيمانكم" (1كو17:15). هذا اليقين والخبرة الشخصية للجميع قاد الرسل أن يصيروا شهود روحيين ومدافعين حاريت لقيامة القائم ويختمون شهادتهم هذه بموتهم الشخصي. بالنسبة للرسل وللكنيسة الأولي لم يكن موجود أي شك بخصوص حقيقة القيامة وبالتأكيد لم يكن الموضوع عن عصيان ديني جماعي.
في نصوص الأناجيل بالتوازي مع التأكيدات عن ظهورات القائم, لدينا بإستمرار شكوك مماثلة ومعارضات عقلية, والتي تُظهِر غياب تام لميول حماسية وإعتمادات أُخروية. لا نستطيع أن نقول كيف أن القيامة قفزت كفكرة لاهوتية من إيمان ديني ما. بالحري حدث تمامًا العكس. الإيمان خرج من حقيقة القيامة. وفي نطاق التقديرات اللاهوتية, القيامة لم تكن البداية أو العِلة الأصلية بل التأكيد علي ماسيانية يسوع. القيامة هي واحد من عناصر خريستولوجية العهد الجديد, لكن ليست هي الوحيدة. قيامة المسيح بالنسبة لكُتَّاب العهد الجديد وبالنسبة للرسل والوعاظ الأُول للإيمان المسيحي كانت حدث تاريخي غير مشكوك فيه. عند هذه المرحلة من التشديد علي تاريخية قيامة يسوع, يجب أن يصير أيضًا تفسير واضح بشكل تاريخي للقيامات التي تممها يسوع أثناء حياته علي الأرض, مثل إقامة إبنة يايروس وإبن أرملة نايين ولعازر. في تلك الحالات لدينا جوهريًا عودة للإنسان إلي العالم الطبيعي الحاضر وبالتالي تكرار حتمية الموت ثانية "في حالة يسوع لدينا تغيير تام. قيامة يسوع هي فريدة, لدينا قيامة في مرحلتها النهائية والشاملة. قيامة تاريخية لكن بإمتدادات أُخروية واضحة. في قيامة لعازر, علي سبيل المثال, لدينا مع موته أيضًا حالات طبيعية جسدية. هو ذاته "أنتن وله أربعة أيام" (يو39:11), بينما في حالة يسوع ليس لدينا "جثة" ولا "تحلل" للجسد بل "هيئة" جسد "في هيئة أخري" حيث قام من القبر.
5ـ الأبعاد الخلاصية والأُخروية لقيامة المسيح:
هكذا, بالإضافة إلي الملمح التاريخي لقيامة يسوع المسيح الذي أُظهر من الأحداث ذاتها وشهادات التلاميذ الرسل وبالإضافة إلي الرؤية اللاهوتية العامة, فإن الحاجة إلي أيضًا تناول الأهمية الخلاصية المحددة لهذا الحدث. لأن, قيامة يسوع هي الشرط الأساسي وكذلك أيضًا ضمان لقيامتنا نحن. تجاه هذا الإتجاه نثبت نظرنا بالحري إلي كرازة بولس الرسول فيما يتعلق بالقيامة التي هي أساسًا للرجاء والتفاؤل للإنسان والتاريخ لو لم توجد قامة يسوع ورجاء قيامتنا, عندئذٍ سنكون نحن "أشقي جميع الناس" (1كو 19:15), طالما سنبني إيماننا وحياتنا علي واقع مستحيل.
الإيمان بإله حي والإيمان بقيامة المسيح والإنسان هي حدث عظيم للتاريخ. نحن لا نتحدث عن نوع من خلود للنفس, النموذج اليوناني, بل عن قيامة حقيقية وجامعة للكل وحسنًا قيامة للجسد والنفس, خلق طبيعي وروحي. لأجل هذا أيضًا الكنيسة الأولي لا يعنيها أبدًا أي مفهوم للقيامة له ملمح نظري ولاهوتي, بل يعنيها الحدث التاريخي المحدد لقيامة يسوع المسيح, ذات ملمح خلاصي تام بإمتدادات تجاه قيامة كل البشر النهائية.
تحققنا إلي الآن من الأهمية التاريخية واللاهوتية لحدث قيامة المسيح في علاقة مباشرة وله علاقة بالنتائج الخلاصية والأخروية لحياة وتاريخ الإنسان. كل هذا سوف يُدرك بالتوازي تجاه الإطار الكنسي والإفخارستي لحضور الرب في حياة الكنيسة. الائم هو اليوم حاضرًا في إيمان وحياة الكنيسة, ليس فقط بواسطة الحدث التاريخي وشهادة شهود العيان الأولون بل بالحري الآن بواسطة أسرار الكنيسة وبالأخص سر الإفخارستيا حيث هناك وبالتحديد "كسر الخبز" يُعرَّف أيضًا ليسوع من مؤمنيه كرب الحياة والتاريخ (لو35:24).
نحن نؤمن, أن هذه الحقيقة السرائرية والكنسية هي ممكنة فقط اليوم للإنسان أن يقبلها ويدرك بالصواب حدث قيامة وحضور المسيح في الكنيسة والتاريخ. لأنه, حقًا من الصعب اليوم أن تُدرك القيامة من الإنسان المعاصر وأن تُعاش من المؤمن المعاصر, لو أن التعليم اللاهوتي والكرازة يحاولان أن يشرحوا هذا الحدث تاريخيًا ولاهوتيًا, خارج روح ومناخ الحياة الليتورجية والسرائرية للكنيسة.
كرازة ورسالة قيامة المسيح وبأكثر شمولاً قيامة الإنسان تحصل علي مفهوم حقيقي وجوهري بالأخص لو إنضمت وأُدركت في كل سر التدبير الخلاص غير ذلك لن تكون لها مفهوم ولا يمكن أن تصير مقبولة.
تحت هذه الأساسيات, الإيمان والتعليم المسيحي جوهريًا يصيرا إيمان وتعليم هما قوة القيامة ونوعية إختلافنا تقود إلي خصوصية التعليم الأرثوذكسي والروحانية الأرثوذكسية اللذين يُبنا بالأخص علي روح القيامة هي قمة تاريخ يسوع المسيح بل أيضًا تاريخ الإيمان المسيحي والكنيسة كل إنتقال من هذا المركز. هو ممكن أساسًا أن يحول الإيمان والروحانية إلي أمور دنيوية. أيضًا في كتابنا "الكرازة الرسولية في الكنيسة الأولي": [ بالنسبة للمؤمنين والرسل الأُول, القيامة كانت بلا شك لها أهمية أولية. كانت بلا شك لها أهمية أولية. كانت أساس الإيمان بل أيضًا قاعدة لأي عمل وتطور لاهوتي مستقبلي. كانت مصدر للإلهام لتشكيل وصياغة الحياة المسيحية. وفيما بعد متأخرصا صارت مصدر للإلهام لكل شكل للفن المسيحي وللعبادة المسيحية. القيامة كانت محتوي الشهادة المسيحية لكل العالم. التشكيك حول كرازة الكنيسة الأولي بالقيامة وخاصةً رفض حقيقة قيامة المسيح, يعني ليس فقط أن كرازة الرسل بل أيضًا إيمان المسيحيين هذا هو قول فارغ" [ص129]. القول المسيحي يصير حياة مسيحية وجوهرية وحقيقي فقط في إيمان له قوة القيامة وفقط في موقف فصحي للحياة في التاريخ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق