عبيد......أحرار
د. جورج عوض إبراهيم
(رو18:6ـ23): ” وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ. أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ. لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ. 22وَأَمَّا الآنَ إِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ، وَصِرْتُمْ عَبِيدًا ِللهِ، فَلَكُمْ ثَمَرُكُمْ لِلْقَدَاسَةِ، وَالنِّهَايَةُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ. 23لأَنَّ أُجْرَةَ الْخَطِيَّةِ هِيَ مَوْتٌ، وَأَمَّا هِبَةُ اللهِ فَهِيَ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ بِالْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا.
عبودية طوعية:
” وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرّ ِ” (رو18:6).
عبيد نحن وسنكون عبيد. المشكلة هي, نحن عبيد لمن؟ توجد عبودية تتساوي مع الحرية الجميلة جدًا, وتوجد عبودية حيث تتساوي مع الطغيان والموت. دعونا لا نتعثر من إستخدام بولس الرسول لمصطلح "عبودية" لخضوعنا للخطية وكذلك لخضوعنا للمسيح. بمصطلح "عبودية" يريد بالحري أن يُظهِر المحبة الخاصة, والطاعة. يستخدم مصطلح "عبودية" لكي يُظهِر أيضًا وجود قوات أعظم منا, الرب والشيطان الرب والله. لا يمكن أن يخدم سيدين: " «لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ، لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ، أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللهَ وَالْمَالَ" (مت24:6).
من اللحظة التي يتحرر فيها المرء من الخطية يصير عبد ليسوع المسيح. "عبد يسوع المسيح" ليس فقط هو مُهان بل هو له مكانة ثمينة وإلهية. طالما أن المسيح ذاته, بكونه إله, قَبِل أن يصير لأجلنا "عبد". " أخذ شكل العبد" (فيلبي7:2). بما أن ملك ورب الكل صار لأجلنا عبد كم لأجلنا شرف وكرامة أن نقبل محبته ونصير نحن أيضًا عبيد له. وبما أن ذاك لكي يطبق إرادة الآب السماوي, خدمنا كعبد, كم هو شرف لنا أن نخدمه مطبقين وصاياه ! وبما أن ذاك, الحُر حرية مطلقة, أراد أن يستند فقط ليس علي الطبيعة البشرية بل علي الصليب, لكي يحررنا من الإعتماد علي الخطية, كم شرف لنا أن نعتمد علي محبته وفعل فقط كل ما يسر في محبتنا.
العبودية كخضوع للخطية هي الطغيان والعذاب، كخضوع للمسيح هي عشق إلهي.
ثم بعد ذلك يستعرض بولس الرسول الحرية والعبودية الشريرة والحرية والعبودية المقدسة. هل تحررنا من الخطية؟ خضعنا للبر: " وَإِذْ أُعْتِقْتُمْ مِنَ الْخَطِيَّةِ صِرْتُمْ عَبِيدًا لِلْبِرّ ِ" (رو18:6). الخطية كانت نيرًا قاسيًا. قبل المسيح كانت نيرًا بدون أي إلتقاط للأنفاس. تعب بدون راحة عذاب بدون توقف. سياط بدون رأفة. لقد حررنا المسيح من نير الخطية، واليوم لأن كل المؤمنين يشعرون مرات كثيرة بالضغط وإجبار الخطية لكن يسمعون صوت المسيح المحرر الذي يدعوهم أن يريحهم ويحررهم: " اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت29:11).
المسيح حررنا من النير القاسي ليس لكي نتورط مع نير آخر مثل الحياة بدون المسيح, بدون المحبة، بدون الوفاء للمسيح,هى ليست شيئًا آخرًا إلا تغيير طغاة। هذا الذي ندعوه حرية, بدون المسيح, تعني مرات كثيرة تغيير الأسياد। هذا يحدث أيضًا في الحياة الدينية, عندما لا تُطعم هذه الحياة في شجرة الصليب ونستقي من نبع القيامة। الديانة هي واحدة من الضغط الشكلي للعبادة, عندما لا تكون لها علاقة مع الكنيسة,مع ملكوت المحبة। لقد جاهد بولس الرسول في سنواته الأولي للرسالة الإنجيلية حتى لا تصير مرة أخرى الحياة الدينية نير قاسي: " فَاثْبُتُوا إِذًا فِي الْحُرِّيَّةِ الَّتِي قَدْ حَرَّرَنَا الْمَسِيحُ بِهَا، وَلاَ تَرْتَبِكُوا أَيْضًا بِنِيرِ عُبُودِيَّةٍ" (غلا1:5).
إرتباطنا مع المسيح لن يكون مثل هذا الإرتباط. إنه بالطبع نير لكن نير صالح, نير مفرح. مثل الزواج حين يكون بالنسبة للعريس والعروس زواج حلو وجميل ورائع وبالتالي شيق جدًا. والإرتباط مقدس يربطنا بالمسيح العريس. نحن عبيده: "عبيدًا للنير"। لا يخدع المسيح أتباعه مثل زعماء العالم الذين يوعدون زيفًا بالحريات والديمقراطيات بل يعد بالصليب لأتباعه: "وَابْتَدَأَ يُعَلِّمُهُمْ أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ يَنْبَغِي أَنْ يَتَأَلَّمَ كَثِيرًا، وَيُرْفَضَ مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَبَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ يَقُومُ" (مر31:8)। يدعو إرتباطنا معه نيرًا, لكن نيره يصفه بأنه "هين"। هين نير المسيح: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ" (مت29:11)।
إذن, طوعًا صرنا عبيد للمسيح الذي هو البر ثلاثة أعالي للعبودية, في مقارنة بعبودية الخطية:
* بمفردنا طوعًا إنضمينا لحمل صليب المسيح. طالما أن الصليب هو وسيلة حريتنا, نحمل طوعًا صليب الحياة المسيحية, ونتبع المسيح. الحِمل الطوعي يُحول الجهاد القاسي إلي حلو.
* العبودية للمسيح ليس هو خوفًا. لا يخفي أي خطر بأن نفقد شخصيتنا, وحريتنا. العبودية للمسيح تعني قبول محبته, نتجاوب لدعوة محبته. المحبة هي ذبيحة طوعية لحرية صغيرة ما لتحقيق حرية أخري أعظم.
العبودية للمسيح هي تسليم لمحبته, لوصايته, لإرشاده. الطفل الذي يمسك بيد أمه بالطبع ليس هو حُر أن يذهب حيث يريد. لكن قيادة أمه تحفظه من أي أذي أو مكروه. يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: "هنا يُظهِر بولس الرسول عطيتين لله, التحرر من الخطية والعبودية للفضيلة, شئ هو الحرية الفضلي... ليس فقط تحررنا من الشرور القديمة بل أيضًا للحياة الملائكية قادتنا وفتحت لنا طريق التربية الأصلية طالما سلمنا إلي حياة الفضيلة الآمِن, أمات الشرور القديمة, أمات إنساننا العتيق وأرشدنا للحياة الأبدية" (ΕΠΕ17,69).
ما يبدو أنه عبودية هو قداسة
” أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ” (رو19:6).
كيف قدم بولس الرسول محبة المسيح لنا ومحبتنا للمسيح؟ الكلام هنا عن سر. إتحادنا بالمسيح الذي ينبع من تأنسه, من اتخاذه لنا بالجسد, إنه إتحاد سري ولا ينفصل ولكنه لا يُوصف فالعالم لا يدركه. المؤمنون يحيونه. لكي يقدم, إذن, علاقة الإنسان الجديدة بالكلمة المتجسد يستخدم بولس صور رمزية. هكذا يتحدث عن "العبودية" للمسيح, عن التحرر من الخطية. يستخدم طريقة بشرية للتعبير عن مفاهيم روحية. ويشرح هذا الأمر في (رو19:6): " أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ".
نزل بولس إلي طريقة تصوير الخبرات الإلهية مثل الرب حين تنازل إلي الضعف البشري وتحدث بأمثلة ليتنا لا ندرك بحسب الحرف كلمة "عبيد" للمسيح, مثل شخصي متأثر من التيارات السياسية والإجتماعية, يصر علي إزالة مصطلح "عبد الله" من الكتاب المقدس وكتب الكنيسة.
أراد الله أن يكرمنا نحن الذين لا نستحق ويدعونا "أبناء" له (أنظر 2كو18:6), وورثة له. نحن نشعر بعدم إستحقاقنا ونعتبر ذواتنا عبيد لله. وهذا لكي نبرهن ليس علي إلغاء حريتنا بل البرهنة علي خضوعنا الطوعي لإرادته.
حسنًا, يستمر بولس في إستعراض علاقتنا بالله. ويشير بالتحديد إلي أعضاء جسدنا: " أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ" (رو19:6). مثلما في الحالة السابقة, في عبودتنا تحت الخطية, كل أعضائنا أُستخدمت كالآت للخطية والنجاسة والقذارة والعصيان والإثم, هكذا في الحالة الجديدة. الحالة الجديدة هي محبتنا للمسيح, إتحادنا به وبنفس الطريقة أعضاء جسدنا يجب أن تخدم البر والفضيلة حتى نحقق الهدف الذي هو القداسة.
لدينا سيدين, الخطية والفضيلة, الشيطان والمسيح هل هناك مقارنة بينهما؟ بالطبع لا. إذن علينا أن نبرهن علي محبتنا الشديدة تجاه المسيح. وأن نتمم اعمال الفضيلة والمحبة بتأهب وإستعداد أفضل من أعمال الخطية. هل لا نستطيع أن يكون لدينا في خدمة الصلاح غيرة أعظم من تلك التي لدي كل الذين يرتكبون الخطية؟ علي الأقل علينا ان يكون لدينا نفس الغيرة: " أَتَكَلَّمُ إِنْسَانِيًّا مِنْ أَجْلِ ضَعْفِ جَسَدِكُمْ. لأَنَّهُ كَمَا قَدَّمْتُمْ أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلنَّجَاسَةِ وَالإِثْمِ لِلإِثْمِ، هكَذَا الآنَ قَدِّمُوا أَعْضَاءَكُمْ عَبِيدًا لِلْبِرِّ لِلْقَدَاسَةِ" (رو19:6). يقول القديس يوحنا ذهبي الفم: " بالرغم من أنه يوجد إختلاف عظيم بين السيدين لكن أطلب قياس معادل للعبودية. لأنه كان يجب بالطبع وأكثر جدًا أن تقدموا للفضيلة وبالأكثر جدًا علي قدر السمو الذي لسيادتها. لكن لا أطلب شيئًا أكثر بسبب ضعفكم" (ΕΠΕ17,84).
الشر هو أننا نُستعبد للخطية ولم نُستعبد للمسيح ولم نقدم له ولو شيئًا صغيرًا:
* الأعين: كم من الساعات التي أُستعبدت فيها الأعين لمناظر وقحه ونافلة ؟ الآن دعونا نقدم أعضائنا عبيدًا للبر والقداسة. ليت أعيننا تستمتع بالمناظر الإلهية. ليت أعيننا تحدق في عظمة الله ولا تنظر بعد المشاهِد الشريرة.
* الأرجل: كم أسرعنا الخُطي تجاه الأشياء المادية والخاطئة؟ ليتنا نقدم أعضائنا عبيدًا للبر والقداسة. ليتنا نسرع الخطي ونحن ننقل رسالة الخلاص ونعلنها للفقراء وللتعساء ونقدم المحبة.
* اللسان: كم أقوال غير لائقة ومعيبة ونافلة تفوهنا بها؟ الآن ليتنا نقدم أعضائنا عبيدًا للبر والقداسة. ليتوقف اللسان عن أن يكون عضو للشر وليصير نبع الصالحات, لسان الإعتراف, لسان الترنيم, لسان العزاء.
كل أعضائنا وقدراتنا النفسية والجسدية والذهنية يجب أن يُوظفوا للهدف الأعظم الذي هو القداسة.
للأسف عمليًا نظهر كم ننحني للسيد القاسي الذي يُدعَّي الخطية, وكم نستهين بإله المحبة الذي هو المسيح. خُدام الخطية متأهبون وناصحون وناشطون أما خُدام المسيح علي الأرض فهم خاملون ونائمون وغامضون. سوف يري دائمًا الرب يهوذا الذي يعمل لأجل الخيانة, لأجل الشر وتلاميذ المسيح نائمون: " ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ :«نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا! هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ، وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ! هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُني قَدِ اقْتَرَبَ!» (مت45:26ـ46).
الثمر والنهاية
” لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ. فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ” (رو20:6ـ21).
حلم الحرية, واقع العبودية هذه هي حياة الخطية. يعتقد الإنسان أنه حُر عندما يحطم قيود الأخلاق, عندما يقفز من سور المبادئ النبيلة عندما يهجر كإنسان ضال بيت الآب, عندما يفعل ويعمل بلا قوانين. يعتقد أنه حر عندما لا يخضع لشئ إلا فقط لسخافات الخطية. يتحدث عن الحرية بينما في الواقع هو عبد للفساد. لمثل هؤلاء يتحدث القديس بطرس, قائلاً: " وَاعِدِينَ إِيَّاهُمْ بِالْحُرِّيَّةِ، وَهُمْ أَنْفُسُهُمْ عَبِيدُ الْفَسَادِ. لأَنَّ مَا انْغَلَبَ مِنْهُ أَحَدٌ، فَهُوَ لَهُ مُسْتَعْبَدٌ أَيْضًا! " (2بط2:19). وبينما هم يحيون ويتحركون كأعضاء عمياء ومربطون بسلسلة الطاغي, يفتخرون بأنهم أحرار. وفي الحقيقة هم أحرار, أحرار بالنسبة للفضيلة والقداسة. أي غير مقيدين بقيد الفضيلة والقداسة. لكن بأي مفهوم؟ بمفهوم أن ليس لديهم أي قيد بالله. فالله هو قيدنا المقدس. عندما لا يكون لدينا علاقة مع الله, علاقة مع حياة الله, عندئذٍ نحن أحرار من جهة الله لكن عبيد للخطية. هذه الحقيقة يشدد عليها بولس الرسول, قائلاً: "لأَنَّكُمْ لَمَّا كُنْتُمْ عَبِيدَ الْخَطِيَّةِ، كُنْتُمْ أَحْرَارًا مِنَ الْبِرِّ " (رو20:6). هكذا توجد حالتين:
الأولي: عبيد للخطية
المحبة للخطية هي كل شئ. العقل في الخطية. القلب في الخطية. الأعضاء في الخطية. وزمن الحياة ذبيحة للخطية. لا يوجد في الخطية عنصر الحرية إلا فقط كطُعم. فشعار "أفعل ما يروق لي" تعني العكس أي "أفعل في الحقيقة ما لا أريده", "أفعل ما يأمرني به الآخرين, الشيطان, العالم,....
الثانية: أحرار من البر
أي لا علاقة مع الله ومع حياة القداسة يقول القديس يوحنا ذهبي الفم" "هذا الذي يقوله بولس يعني: عندما كنتم تعيشون في الخطية, في الفجور وفي الشرور السيئة, عشتم بطاعة عمياء حتى أنكم لم تفعلوا أي شئ صالح. هذا ما يعنيه بقوله "أحرار من البر" أي لم تكونوا خاضعين للبر, كنتم غرباء عن حياة الله" (ΕΠΕ17,84).
خُلِق الإنسان حُرًا كان يتنفس الحرية في الفردوس, بالقرب من الله, في علاقته مع الله. لكن الخطية قد غرّبته. وحينذاك غيَّر سيدة. صارت حرية العبودية. حرية غير عاقلة.
السرعة المجنونة للإنسان في حريته المزعومة تشبه قفزات المعزة الراقصة. مقيدة بحبل في رقبتها وتقفز مسرعة حول شجرة لا تستطيع أن تفهم أن الحبل يلتف حول جذر الشجرة.بعد قليل رقصة الحرية المجنونة تصير مشنقة للحيّوان المعذب. المشنقة في شجرة الحرية تُدعي الإعتماد علي . أوالتوقف علي.
يتحدث بعد ذلك القديس بولس عن ثمرة ونهاية الخطية: "فَأَيُّ ثَمَرٍ كَانَ لَكُمْ حِينَئِذٍ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَسْتَحُونَ بِهَا الآنَ؟ لأَنَّ نِهَايَةَ تِلْكَ الأُمُورِ هِيَ الْمَوْتُ" (رو21:6).
لقد سُلمنا بالكامل للشر ،لكن الآن المسيح حرَّرنا من العبودية وليس فقط بل دعانا مرة أخرى إلي فردوس شركته। علي الأقل نفس الفردوس, نفس الإخلاص الذي كان لدينا في علاقتنا السابقة, مديونون لعلاقتنا الجديدة لعبوديتنا الجديدة। وقتذاك (قبلاً) لم تكن لنا علاقة بالفضيلة। الآن ليس لدينا أي علاقة مع الخطية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق