الجمعة، 22 أبريل 2011




قبر يسوع الفارغ وقيامة المسيح
ج. باترونس- استاذ العهد الجديد-جامعة اثينا-ترجمة د جورج عوض
1ـ قبر يسوع المصلوب الفارغ
القبر هو شهادة لا تُكذَّب عن موت إنسان, مثلما بالتأكيد كان أيضًا "القبر" الذي أُعِد لأجل موت يسوع. الموت لديه تأكيد صارم لا رجعة فيه لنهاية المسيرة التاريخية وحياة كل البشر. أسمي من القبر يبدأ الرجاء فقط في فتح مستقبل لكل إنسان وهذا الرجاء في الأبدية يصير مؤكد بحدث قيامة يسوع المسيح. لأجل هذا أيضًا تري الأناجيل في حالة يسوع تخطي أيضًا لهذا الرجاء والإنتظار بشوق، وتمضي في تسجيل واقع جديد في تاريخ الرب أبعد من القبر, في تلك القيامة, أي الإنتصار علي الموت. بالتالي, القيامة وليس الموت, هي حديث الأناجيل الأخير عن يسوع. تناول كامل وتسجيل لمسيرة يسوع التاريخية لا يمكن أن تتوقف في القبر, حيث يرتاح الجسد الميت, بل يجب أن يتحرك أيضًا أبعد من القبر الفارغ, تجاه ظهورات محددة للقائم وتجاه هذا الحدث ذاته لقيامة المسيح وقيامة البشر العتيدة.
بالإضافة إلي كل هذا, بينما كل الإنجليين ينهون نصوصهم المقدسة المخصصة لحياة وتاريخ يسوع المسيح, بالإشارة إلي القيامة, إلا أنه لا أحد تجرأ أن يصف هذا الحدث في حد ذاته, أقصد حدث القيامة بل ذُكِرت بتوسع فقط الشهادات المتعلقة بالقبر الفارغ وظهورات القائم وهذا علي الأرجح يعني أن لا أحد قادر علي رؤية ووصف هذا الحدث الذي هو حقًا يتخطي قدرات المعرفة البشرية وخبرات عالمنا المحسوس. الإنسان جدير فقط علي تأكيد هذا الحدث بواسطة الإيمان ومشاركته لشركة الكنيسة الإفخارستية وفي أسراراها الخلاصية. لم يُشاهَّد المسيح لحظة قيامته من أي إنسان. لأجل هذا لم يذكر لنا أي إنجيلي كيف بالضبط صارت القيامة وبأي طريقة محددة "قام المسيح" و"إنتصب" من قبره. فقط الإنجيلي متى يذكر أن القيامة صاحبتها أحداث مؤثرة, مثل الزلزلة العظيمة وإنشقاق حجاب الهيكل. لدينا أيضًا " لأَنَّ مَلاَكَ الرَّبِّ نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ وَجَاءَ وَدَحْرَجَ الْحَجَرَ عَنِ الْبَابِ، وَجَلَسَ عَلَيْهِ" (مت2:28). الإنجيلي متى يستخدم هنا لغة بشرية تستدعي في الذاكرة صور وردت في الكتب المقدسة بسبب ضعفة في أن يشرح الحدث ذاته. "دحرج" الحجر الملاك ليُظهر أن القبر كان فارغًا وأن يسوع "الناصري والمصلوب" لا يجب أن يُطلَّب هناك (مر6:16). إذن, يسوع أولاً, قبل أن يُدحَّرج الحجر كان قد قام بالفعل وخرج من قبره.
الإنجيليون جميعًا يضعون وجود فراغ قبر يسوع من النساء حاملات الطيب, زمنيًا, في الساعات الأولي بعد يوم السبت, أي الساعات الصباحية الأولي ليوم الأحد, الجنود الذين كانوا بالقرب من القبر بأوامر مجمع السنهدريم لحراسة القبر, بعد حدوث الزلزلة والتحقق من أن القبر كان بالفعل فارغ, إنتابهم الفزع والرعب أن ينقلوا هذا الخبر لرؤساء الكهنة. أكدوا لهم, أنهم هم أنفسهم تمموا قانونيًا واجبات عملهم لكن الآن وُجدوا في ضعف تام أن يفسروا, ما حدث بالضبط وكيف فجأةً وُجِد القبر أمامهم فارغًا, وبدون جسد المصلوب. مخاوف رؤساء الكهنة الذين تحققوا مباشرةً بعد الدفن, أن مجمع السنهدريم لن يتجرأ بعد هذا الجزر أن يشكك في مسألة القبر الفارغ حاولوا فقط إعطاء تفسير مغاير لمِا حدث.
لكن بغض النظر عن أي تفسير, هذا الذي كانوا في حاجة إليه في تلك اللحظة الحرجة كان عِلة "منطقية" كهذا الحدث تجاه الشعب. والعلِة الأكثر منطقية بالنسبة لهم أن يبتدعوا ويُشيعوا بأن التلاميذ جاءوا ليلاً وسرقوا جسد يسوع, بينما الحُراس كانوا نيامًا (مت11:28ـ15). حقًا تفسيرهم هذا في النهاية ينطق بجهلٍ صارخ "وضلال عظيم" وخوف (مت64:27).
لكن بهذة الطريقة والمحاربات ضد يسوع صارت شهادات للقبر الفارغ اللا إرادية وشهادتهم مثل هذه تصير بالأكثر جديرة طالما أنها تأتي من خصوم وأعلاء الإيمان المسيحي.
وُجِد قبر يسوع بالقرب من أورشليم وكان أي أحد بسهولة يستطيع أن يذهب إليه ويتأكد بنفسه, أنه حقًا كان فارغًا. ولم يشكك أحد في شهادة الرسل بخصوص القبر الفارغ. لكن الإرتباط بين القبر الفارغ وقيامة يسوع المسيح وجد قمة المقاومة عند اليهود الذين حاولوا أن يفكوا الإرتباط بين القبر الفارغ ورسالة التلاميذ المتعلقة بقيامة معلمهم. ولم يكن فقط هذا التفسير عن السرقة. يبدو, أنه كان يوجد أيضًا إشاعة حفظها لنا الإنجيلي يوحنا, أن جسد يسوع قد حُمل من القبر لأسباب غير معروفة (أنظر يو15:20). إن هذين التفسيرين من جانب خصوم الإيمان المسيحيظهرا بأشكال مختلفة في التقليد اليهودي المضاد للمسيحية فيما بعد.
لقد بحث اليهود جيدًا مسألة القبر الفارغ وبدون أن يتشككوا في عدم وجود جسد يسوع في القبر, وفضّلوا أن يتحدثوا عن وجود تضليل ما। بينما متى الإنجيلي يذكر دائمًا أن هذا التفسير اليهودي عن سرقة الجسد من التلاميذ قد سري بطريقة مناسبة عند رؤساء الرومان (مت14:28)। ويوسابيوس المؤرخ, فيما بعد, قد حفظ معلومة أنه في فترة وجيزة جدًا بعد أحداث تلك البصخة, كل فلسطين إمتلئت بهذه الإشاعات التي قد إنتشرت بطريقة منظمة في العالم بواسطة رؤساء اليهود الدينيين (تاريخ كنيسة, الجزء الثاني1:2)।
الأنجيليون سجلوا هذه الأحداث مع التشديد علي مسألة القبر الفارغ,
وأخبروا بالحري علي هذا الأمر. أيضًا الأناجيل ليست هي المصدر الأول والفريد لمعلومة القبر الفارغ. كل التقاليد المسيحية التي تتحدث عن المسيح ينتهون إلي حدث القيامة السامي, تذكر مسألة القبرالفارغ مثل هذه التقاليد حُفظت في الكرازة الرسولية الأولي, وكذلك في رسائل العهد الجديد حيث خبر القيامة لا يُدرَّك بدون أي ذكر للقبر الفارغ. هذا يبرهن علي أنه من إستخدام نفس شكل الكلمات والتعبيرات في كل العصر الرسولي, لكي يستعرضون حوادث البصخة كرسالة تبشرية لكل العالم. أفعال "أُقيم" و"قام" من القبر ليست فقط كلمات للمحتوي الأساسي بل أيضًا مصطلحات تكّون التعبيرات الرسوليةالهامة لكي تستعرض بطريقة مناسبة حدث القيامة (رو4:6. 1كو4:15,.... 1تس14:4). ومن المعروف, أنه من الجوانب اللاهوتية تمامًا, هذه المصطلحات هي الأقدم من إستخدامها الأولي في الكرازة المسيحية بخصوص قيامة يسوع المسيح (أنظر دانيال2:12,....). وكون أن أبرار الله أثناء موتهم سوف يقيمهه الله في اليوم الآخير, أو أن الأموات سوف يقيمون ويهجرون قبورهم, كان تقليد لاهوتي للكتابات الرؤيوية (أنظر أخنوخ 1:51, 10:91, 3:92. رؤيا موسي 4:41. عزرا 29:7,...الخ. باروخ2:50,...الخ).
لأجل هذا أيضًا التقليد الكتابي عن القبر الفارغ له أهمية عظيمة للإيمان المسيحي (مر8:16. يو2:20), حتى لو كان بالنسبة للمفسرين الحُداث أن هذا الحدث كعلامة تخص كل الإيمان والتعليم, قد يقبل كل التفسيرات دائمًا, كل تفسير لهذه العلامة يجب أن تتعلق بطريقة مباشرة بحدث القيامة ذاته وبظهورات الرب القائم (أنظر لو24:24,...الخ). سواء نتحدث عن القبر الفارغ أو عن الظهورات نقصد حدث القيامة ذاته ورسالة القيامة التي حفظها لنا التلاميذ والرسل وسلموها لنا من يوم الأحد الأول للفصح. قيامة الأموات وخاصةً الأبرار, والتي تحدث عنها التقليد اليهودي القديم كانت جزء من وعود الله وأيضًا جزء من التعاليم الأخروية, ظهر أمامهم كحدث تاريخي معين في شخص يسوع المسيح الذي كان "باكورة" الواقع الجديد. الله لم يترك إبنه في القبر بل أقامة من الأموات. يسوع الرب قام. هكذا هذه المصطلحات, في أي تقليد مسيحي تُوجَّد في علاقة مباشرةً مع الرسالة الفصحية وتُذكَّر دائمًا لقبر يسوع الفارغ.
نجد في الشكل الأول، هذه المصطلحات في سفر أعمال الرسل وتخص مباشرةً حدث قيامة الرب من القبر الفارغ (أع24:2. 15:3. 10:4. 30:5. 40:10), وذلك أيضًا قبل بولس في الإعتراف بالمسيح القائم (1كو4:15) الذي إستمر بنفس التشديد في رسائل بولس (رو4:6. 1تس14:4,...الخ). كل هذا التقليد القديم للكنيسة, الإرتباط بين القبر الفارغ وقيامة يسوع ليس فقطيشمل في نفس الوقت كل التقاليد الإنجيلية بل إستمر أيضًا في عصر ما بعد الرسل ووصل مع مرور الزمن إلي اليوم حاملاً الرسالة الفصحية تجاه العالم والناس, رسالة الحياة الأبدية.
هكذا, أهمية القبر الفارغ لتشكيل كل التعليم المسيحي يمكن أن تُعتبر حاسمة. عندما يذكر بولس الرسول يسوع المسيح كحمل الله الذي قُدِم في يوم الفصح "لأجلنا" يفتح عصر جديد لتعليم لاهوتي (أنظر 1كو7:5,...الخ). الرب القائم هو "باكورة" هذا الواقع الجديد والثمرة الجديدة للبذرة الأخروية (1كو15:20,...الخ). ومثلما المسيح قام في صباح أحد الفصح وصار "البكر بين الأموات" تاركًا خلفه قبر فارغ, بالمثل أيضًا الأموات سوف يقومون ويتركون قبورهم (كو18:1. 12:2).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق