الجمعة، 1 أبريل 2011



الإنسان كما تعرفة الكنيسة

د جورج عوض ابراهيم

الإنسان خُلق على صورة الله ومثاله موقع الإنسان الفريد فى العالم قد ظهر فى الخلق ، إذ خلقه الله على صورته ومثاله (تك26:1)، لذا يؤكد التلمود أن " مجد الله هو الإنسان " . الإنسان هو مركز وتاج الخليقة، الإنسان هو خليقة محبة الله الواحد، والثالوث الذى هو "الله محبة " ، لقد خلق الله الإنسان بإجماع الأقانيم الثلاثة " نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا " أى نتيجة القرار الحر الجماعى للأقانيم الإلهية . والله كفنان عظيم لم يخلق الإنسان فقط ، بل حدد له " الموديل " الذى سوف يُخلق عليه ، فقد خلقه " بحسب الصورة " والتى تعبر عن " النموذج الأصلى " بحسب تعبير الآباء أى صورة الله ، ويجب أن ننتبه إلى أن رواية الخلق تخبرنا أن الإنسان خُلق بحسب صورة الله وليس هو صورة الله، لأن صورة الله هو الابن " اللوغوس " الأقنوم الثانى للثالوث القدوس " فهو صورة الله غير المنظور " (كو15:1). وخلق الإنسان على صورة الله تعنى أن المسيح هو النموذج الأصلى للإنسان ، هو هدف وكمال الإنسان . لقد صار هو الإنسان الكامل لكى نصير نحن إنسانًا كاملاً فى المسيح . ما هو هدف خلق الإنسان على صورة الله ؟ بحسب الأب مكسيموس المعترف يرى أن كل الخليقة بها ثنائيات متباينة : 1 ـ ثنائية الطبيعة الإنسانية (ذكر ـ وأنثى) . 2 ـ ثنائية الأرض (فردوس ـ ومسكونة). 3 ـ ثنائية الطبيعة المحسوسة (أرض ـ وسماء). 4 ـ ثنائية طبيعة الخليقة (ذهنى ـ وحسى). 5 ـ ثنائية (الخالق ـ والمخلوق). والإنسان خُلق بدعوة أن يجمع العالم ويُوحده بالخالق، ولكى يُنجز هذه المهمة ، لابد أن يجتاز ثنائية (ذكر ـ وأنثى)، ثم بعد ذلك يوحد الفردوس بالأرض، أى يغير الأرض ويجعلها تتجلى لتصير فردوسًا، وأن يلغى المسافات بين الأرض والسماء، ولابد أن يتجاوز الحسى لكى يصل إلى العالم الملائكى، وأن يتحد بالله الخالق فى شركة وعلاقة حية معه، عندئذ يمارس الإنسان دوره الكهنوتى إذ يقدم العالم والخليقة كلها ذبيحة شكر لله ويحقق دوره الإفخارستى. والمسيح قد حقق كل هذه الوحدة، فقد جُمع كل شئ فى المسيح كما أخبرنا القديس بولس فى أفسس(10:1) "صائرًا رأس كل شئ وملك على كل شئ". لقد تجاوز المسيح التميز بين الذكر والأنثى لقد تجاوز المسيح هذا التميز روحيًا وليس جسديًا، فلم يعد ذكر أو أنثى بل الكل واحد فى المسيح (غل28:3) . والمؤمن مدعو لهذا التجاوز وذلك فى سر الزواج أو سر البتولية، وهذا التجاوز له بُعد أسخاتولوجى حسب كلام المسيح نفسه " فى السماء لا يتزوجون ولا يتزاوجون بل يكونوا كملائكة الله فى السماء " . تجلى الأرض المسيح بصلبه، وّحد الفردوس بالواقع الأرضى إذ قال للص اليمين " اليوم تكون معى فى الفردوس " ، والتجلى الذى حدث للمسيح على جبل طابور ما هو إلاّ الإخبار عن تجلى الأرض الكامل، ووصية الله للإنسان فى سفر التكوين " أعملها وأحرسها " هى محاولة الإنسان لأن يغير الأرض ويبدلها إلى فردوس . وهذه المحاولة تشمل كل الإنجازات التكنولوجية والحضارية التى يفعلها الإنسان داخل التاريخ لكى يغير ويبدل الأرض إلى فردوس . وحدة الكون بصعود المسيح توحدت الأرض بالسماء " إذا ما وقفنا فى هيكلك المقدس نحسب كالقيام فى المساء " (قطع الساعة الثالثة)، فلم يعد هناك مسافة مكانية بيننا وبين المسيح إذ نتمتع بالمسيح الحاضر معنا " إذا اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمى هناك أكون فى الوسط " أيضًا التمتع بشركة القديسين وسحابة الشهود . الوحدة بين العالم الذهنى والعالم الحسى بصعود المسيح أيضًا ، فتح الطريق إلى الشركة مع السمائيين " جعل الاثنين واحدًا هما السماء والأرض " أى مع العالم الروحى عالم الملائكة . وفى الكنيسة تتحقق هذه الشركة بين العالم المنظور والعالم غير المنظور، والإنسان عنده هذه الإمكانية إذ هو مخلوق من (المادة + الروح) فهو المخلوق الوحيد المتوسط بين " غير المنظور " و " المنظور " ، بين الروحى والمادى، إذ يجمع بين الحسى والروحى، فيستطيع أن يصنع شركة مع العالمين . الشركة والاتحاد بين الإنسان والله بعمل المسيح، قد تم استعادة الوحدة بين الله والعالم المخلوق، مثلما حدث فى التجسد عندما اتحد الخالق بالمخلوقات، فقد اتحدت الطبيعة الإلهية بالناسوتية بغير اختلاط وغير امتزاج أو تغيير وقدستها . لقد تقدس العنصر المخلوق باتحاده بالخالق، والإنسان هكذا أخذ دور الوسيط، فهو يقدم الخليقة المادية إلى الله أى يقودها للاتحاد بالله ، للاتحاد بمنبع كمال كل الخلائق الذى هو الله ، وبكلام آخر ، الإنسان مدعو أن يصير كاهنًا للعالم، إذ يقود ويقدم الخليقة المادية إلى خالقها. إن الهدف النهائى للإنسان هو الاتحاد بالله ، مسيرته من " بحسب الصورة " إلى "الصورة " ، أى الصعود المستمر بالإنسان نحو النموذج أو الموديل . إن حركة الإنسان من " بحسب الصورة " إلى " المثال " تعنى أن الهدف النهائى للإنسان هو الاتحاد بالله . الخلق على صورة الله تعنى بالنسبة للإنسان كل الإمكانيات التى منحها الله للإنسان منذ الخلق، فهى ساكنة فيه، أما " بحسب المثال " فتعنى إدراك هذه الإمكانيات وتحقيقها عبر الزمن فى مسيرة تصاعدية نحو الاتحاد بالله . إذن، الإنسان فى حالة حركة مستمرة، فيها يمارس كهنوتًا (بالمعنى الشمولى) يقدم الخليقة المادية معه كذبيحة شكرٍ لله . أيضًا يمارس سيادته كملك على العالم الطبيعى، ولكن تحكمه وصية الله " أعملها وأحفظها " ، فمطلوب منه كممثل لله على الأرض أن يستمر فى العمل الإبداعى تجاه العالم المحيط ، وأيضًا يحرس ويحفظ أى " العمل الاعتنائى " . ومشكلة الإنسان المعاصر الملوث للبيئة أنه نفذ فعل الأمر " اعملها " وترك " احفظها " ، وأصبحت علاقته بالبيئة علاقة استغلالية ، امتلاكية، احتلالية مركزها الأنا ، وبدلاً من أن يكون مدبرًا للكون أصبح مدمرًا له . مما سبق نجد أن الإنسان مخلوق على " صورة الله ومثاله " وله هدف يتحرك نحوه قد سبق الله وأعده لهذا الهدف، وهو الاتحاد به والشركة معه والمسيرة من " بحسب الصورة " إلى " الصورة "، قد صارت فى متناول الإنسان بالتجسد، أى بقرب " الصورة " من الإنسان "الكلمة (الصورة) صار جسدًا وحل بيننا " . والإنسان فى مسيرته يحمل صورة الله، أى ممثل عن الله على الأرض ، فهو كاهن ، أى كائن إفخارستى ، وهو ملك أى يسود على الخليقة . هو يقدم الخليقة كذبيحة شكر لله ويسود على الطبيعة سيادة المحبة ، فهو صورة للموديل والنموذج الأصلى الذى هو المسيح ، بهذا المعنى لا مجال لاستغلال البيئة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق