الأحد، 17 أبريل 2011


العشاء الأخير وحدث غسل الارجل وخيانة يهوذا وجهاد يسوع فى جثيمانى والقبض علي يسوع د ج. باترونس استاذ العهد الجديد جامعة اثينا- ترجمة د جورج عوض الإنطباعات المؤثرة والمشاعر الحارة المسيانية التي إستثارتها الأحداث الأخيرة وخاصةً قيامة لعازر ودخول يسوع الإنتصاري إلي أورشليم, مرتبطة بالمطلب الشعبي لتطهير الهيكل وخلق نوع من الخُلِق الديني في الشعب وزعامته, أنشاؤا حالة متأزمة ومحتقنة (أنظر لو37:19. يو11:12. 17:12,..الخ). قيامة الأموات من المستوي النظري نُقِلَ إلي واقع الحوادث التاريخية والخبرات, وهذا بالنسبة لكثيرين يعني أن الماسيا هو حاضر ويعمل في التاريخ بديناميكية. بدأت أورشليم تعبر عن ولائها لمجيء الملك الماسيا في (مت15:21,...الخ). وهذا ليس لديه فقط نتائج دينية بل أيضًا أبعاد سياسية. النصوص المقدسة لا تترك أي شك للأبعاد السياسية لهذه التعبيرات, التي لم يستطع حتى التلاميذ التخلص منها. يسوع بالطبع عارض بحسم مطالب الشعب وإعلاناته السياسية والماسيانية. لكن كانت دائمًا تتناقل بشدة مشاعر معادية بدلاً من المواجهة السلمية للمواضيع القومية. وكل هذا لم يكن من الممكن أن يتركوا الزعماء السياسيين والدينيين غير مبالين (أنظر لو41:19,.... الخ). أيضًا هجوم يسوع المنفتح ضد الكتبة والفريسيين والذي حدث في تلك الأيام التي يذكرها مرقس الإنجيلي, بدافع مناقشة جدلية في الهيكل وتعاليمة (أنظر مر13:12,...الخ), كانت بالطبع تقود مجمع السنهدريم لرد فعل غاضب وعنيف بل وأيضًا لأيجاد طرق مباشرة ومواجهة ديناميكية لمبادرة "يسوع". 1ـ الحالة المحتقنة وظهور يهوذا علي مسرح المتآمرين للقبض علي يسوع : الحالة التي تشكلت بالأخص في اليومين الآخرين قبل البصخة كانت حقًا خطيرة، فمجمع السنهدريم, كما نعلم, في إجتماع سري حيث كان إنعقد بدافع كل هذا, بدأ يدرس الشروع في إجراءات محددة، كان ينبغي أن تؤخذ بخطة مباشرة وعاجلة। إتفق الجميع, كيف أن يسوع كان يجب أن يُقاد إلي الموت بسرعة, بل بطريقة خفية وسرية, حتى لا يُثار أتباعه وكل أولئك الذين قد تأثروا من أحاديثة وأفعاله وأعماله بالحري في أيامه الأخيرة। الآن حسنا حيث سادت فوضى شديدة وكان عدد الزائرين كبيرًا بسبب عيد الفصح, كان يوجد خطر مباشر لتمرد عام (مت3:26ـ5)। يتحدث يوسابيوس المؤرخ عن ثلاثة ملايين أجنبي في أورشليم أيام الفصح। أثناء البحث عن خطة محددة ،حضر علي المسرح واحد من الأثني عشر تلميذًا, يهوذا الإسخريوطي الذي كما يبدو يعرف معلومات عن المقابلة السرية لأعضاء السنهدريم وهدف هذا الإجتماع। يهوذا كان الوحيد غير جليلي, أُعتبر ـ كما يرجح معظم المفسرين الحُداث ـ مؤمن متعصب لأوامر الناموس والمجمع وعلي الأغلب كان يعمل كمثل جاسوس لمجمع السنهدريم في دائرة تلاميذ يسوع (أنظر مت2:28। مر1:14)। ذهب ـ إذن ـ هذا التلميذ المشبوة سرًا إلي الإجتماع السري للزعامة الدينية وإقترح عليهم إقتراحًا محددًا: "ماذا تريدون أن تعطوني وأنا أسلمه إليكم" (مت15:26). لوقا الإنجيلي عند هذا الحد, يعلق علي هذا الحدث, ويقول لنا "فَدَخَلَ الشَّيْطَانُ فِي يَهُوذَا الَّذِي يُدْعَى الإِسْخَرْيُوطِيَّ، وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الاثْنَيْ عَشَرَ. فَمَضَى وَتَكَلَّمَ مَعَ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَقُوَّادِ الْجُنْدِ كَيْفَ يُسَلِّمُهُ إِلَيْهِمْ. فَفَرِحُوا وَعَاهَدُوهُ أَنْ يُعْطُوهُ فِضَّةً" (لو3:22ـ5). أيضًا يسوع قبل هذا الحدث بكثير بطريقة نبوية تحدث لتلاميذه عن هذه الخيانة كعمل وفعل شيطاني تمامًا "وواحد منكم شيطان". والإنجيلي يوحنا يستكمل قائلاً: "قال عن يهوذا سمعان الإسخريوطي. لأن هذا كان مزمعًا أن يسلمه وهو واحد من الأثني عشر" (يو71:6). لا يوجد شك في أن الخيانة وُلدِت في فكر يهوذا وخُطتت في عمل مباشر مع الرؤساء الدينيين. عبارة "دخل الشيطان"في يهوذا يعطي تفسير داخلي وروحي للحدث. لكن فُرِض سؤال: ماذا كان السبب العميق لهذا الفعل الذى قام به واحد من تلاميذ يسوع المقربين له؟ كثيرون يقولون أن السبب هو محبة يهوذا للفضة. وهذا تفسير أخلاقي وروحي لأسباب رعوية وإرشادية بحته بالتأكيد أيضًا يوحنا الإنجيلي نوة علي ضعف يهوذا الروحي ودعاه "سارق". لكن فدية يهوذا بثلاثين من الفضة بحسب تقدير متى الإنجيلي (مت15:26) تمثل حقًا العِلة الحقيقية أو مجرد الدافع الخارجي لعمله وفعلته الدنيئة والتي ظلت في التاريخ كعمل بشري شنيع لخيانة التلميذ لمعلمة بالتأكيد إشارة متى الانجيلى للثلاثين من الفضة يتعلق بنبوات في العهد القديم (أنظر زكر12:11। خر32:21)। هكذا ترتبط أساسًا بنبوات ماسيانية عن أنها عمل دنيء لبيع صديق والتي تساوي فدية عبد في ذلك العصر। يبدو أن يهوذا كان يشارك معاصريه من اليهود في الآمال الماسيانية القومية والمحتمل أن يكون له علاقة مسبقة مع حركات الغيوريين في عصره. إتيانه إلي جماعة وحركة يسوع يمكن أن تُفسَّر أيضًا كأنها طموح ورجاء, بأن يسوع بقوته وقدراته التي كانت أظهرها بأنه سيبرهن في النهاية علي أنه ماسيا سياسي محرر والذي يحتاجه جدًا الشعب والأمه في هذه اللحظات التاريخية الحرجة. لكن يسوع بأقواله وأعماله أظهر بإستمرار أنه يختلف عن آمال يهوذا هذه وتطلعات هذا الإنسان. إذن إحباطة كان كبيرا من جراء نبوات يسوع الأخيرة فيما يتعلق بالأحداث التراجيدية التي تأتي أيضًا بموت الماسيا الذي يظهر بطريقة غير مقبولة بالنسبة للمعطيات اليهودية (أنظر مر13,...الخ). وعدم إستغلال الظروف المناسبة والتي نشأت حديثًا, في مناخ ماسياني شديد الإشتعال من قيامة لعازر ومن دخولة الإنتصاري لأورشليم وبالحري عدم إنتشار حماس الشعب من تطهير الهيكل تجاه الإتجاه القومي السياسي, كان بالطبع يقود يهوذا الغيور لعمل يائس خيانة بطولية. نفس الإحباطات كانت قد إنتابت تلاميذ يسوع الآخرين لكن هؤلاء لم ينجذبوا تماما للتحريضات ومشاعرهم الشخصية, ولا سمحوا أن يصيروا أدوات للشيطان وللرؤساء الدينيين. لقد تحقق الرأي بأن يهوذا كان علي عِلم بتقاليد الشعب الماسيانية ويمكن أن يُعرَّف كواحد من التعبيرات المتطرفة لهذه الميول وكقاضي قاسي لكل إنحراف عن هذا الإتجاه. رغبته وأفعاله رُتبت تجاه التطبيق القاسي لهذه التقاليد والمنهج للتنفيذ العملي لها داخل فترة زمنية وجيزة. هكذا, يهوذا لم يستطيع أن يقبل أفكار يسوع, بأن المملكة المنتظره سوف تأتي بالمحبة والغفران للآخرين, للأصدقاء وللأعداء كذلك أيضًا بأعمال الولادة الثانية الروحية للبشر والإنكار الجوهري لذواتهم. ربما في هذه الطروح من الممكن أن يركز المرء علي سبب الخيانة الأساسي, طالما بحسب تقدير يهوذا كان يسوع ذاك الذي إنحرف عن تطلعات الشعب وصار رافضًا لتقاليدة. هنا نري بوضوح ضعف يهوذا أن يقفز إلي خريستولوجية وماسيانية جديدة كرز بها المعلم وأن يقبل بتواضع شخص وعمل يسوع, كما ظهرا في خطة التدبير الإلهي يهوذا ظلَّ في تعليم ماسياني عالمي بدون أي محتوي خلاصي وكل هذا قادوة في النهاية للرفض والخيانة. من اللحظة التي أتي يهوذا فيها ليتواصل مع رؤساء الكهنة والرؤساء الدينيين الآخرين كان يطلب الفرصة المناسبة أن يخون يسوع علي أيديهم وبعيدًا عن الجمع بحسب لوقا الإنجيلي (لو6:22), لكي يتجنب أي تورط غير مرغوب।فية وهذه اللحظة لم تتأخر في إتيانها। 2ـ عشاء يسوع الفصحي والسرائري الأخير وبينما يهوذا تآمر علي الخيانة وجاهز للتدخل في اللحظة المناسبة, رجع التلاميذ مع يسوع إلي أورشليم لينتهي بهم المطاف أيضًا لبيت عنيا। كل المعلومات التي وصلت هنا تُظهِر كيف أن الساعة الحرجة توجد قريبًا جدًا। داخل هذا المناخ المتوتر والمفخخ قرر يسوع أن يجعل لأجل هؤلاء عيد الفصح في يوم مبكرا وبدلاً من أن يصنعوا عشاء الفصح يوم الجمعة بحسب تحديد تقليدهم, بأن يصنعونه بشكل بسيط جدًا في يوم الخميس. تجاه هذا الهدف أرسل من بيت عنيا أثنين من التلاميذ, بطرس ويوحنا إلي المدينة في مكان هاديء ومُعد في أورشليم لكي يأكلوا الفصح. هناك رأي من جانب كثير من المفسرين بأن العِلية الكبيرة والمفروشة والمجهزة للفصح تنتمي لأحد أتباع أو تلميذ ليسوع, مقتدر وله مكانة وظيفة عالية. والتقليد يخبرنا بأن العائلة المضيفة للعشاء الأخير هي عائلة الشاب "يوحنا الملقب مرقس" المعروف لنا فيما بعد كمرقس الإنجيلي (أنظر أع12:12). لم يُذكَّر في تقليد الأناجيل الثلاثة الأولي خاصةً عند مرقس ولوقا, أثناء عشاء يسوع هذا مع تلاميذه, حمل فصحي ولا أي تجهيز خاص كما إعتادوا في مثل هذه الأمسيات الفصحية (مر12:14. لو7:22). وهذا هو برهان علي أن هذا العشاء الفصحي الطارئ صار الخميس بدلاً من الجمعة, أي 24 ساعة قبل اليوم القانوني, وبدلاً من الحمل الفصحي إستخدما علي الأرجح خبز عادي وأعشاب مُره. علي الجانب الآخر نعرف أنه في العام السابق قد صنع نفس الأمر يسوع وتلاميذه في كفر ناحوم يبدو أنه كان تقليد عام, عندما يُوجد اليهود بعيدًا عن أورشليم, سواء في الجليل أو اليهودية, أو أيضًا في المناطق النائية للمدينة المقدسة, أن يصنعوا الفصح مبكرًا مع عائلاتهم بدون أن حمل فصحي محدد (انظر تث5:16,...الخ). وهذا من المحتمل أنه حدث لكي يتمكنوا من الإنتقال والإحتفال بعد ذلك كل اللذين كانوا يشتهون الفصح القانوني في هيكل أورشليم, كذكري للخروج من مصر. نفس الأمر فعله أيضًا هؤلاء الذين وُجدوا في البرية كما نراة بوضوح أيضًا في نصوص البحر الميت. جماعات الإسينيين والشفائيين من المعروف أنهم كانوا يحتفلون الفصح في البرية وبعيدًا عن المدن والهيكل بدون دمار هيكل أورشليم 70 ب م حُدِدَ عامة الإحتفال بأن يصير بدون الحمل الفصحي وفقط بخبز مختمر وأعشاب مُرة أيًا كانوا موجدين. نحن نعلم من الأناجيل, أن يسوع كان يشتهي أن يحتفل بالعشاء الفصحي للمرة الأخيرة مع تلاميذه في يوم الخميس وصار الصلب يوم الجمعة والقيامة يوم السبت. تحديدًا نقرأ في الأناجيل الثلاثة الأولي, إن اليوم الأول "وفي أول أيام الفطير تقدَّم التلاميذ إلي يسوع قائلين له أين تريد أن نُعِدَّ لك لتأكل الفصح" (مت17:26. مر1:14. لو7:22), بينما الإنجيلي يوحنا سجل بأنه "وكان إستعداد (جمعة) الفصح" (يو14:19). عندما صُلب المسيح بسبب أن اليهود لم يرغبوا في بقاء "الأجساد علي الصليب في السبت" (يو31:19). وهذا يعني أن يسوع صُلِب في 14 نيسان, وقتذاك لم يأكل اليهود بعد الحمل الفصحي وبالتالي القبض علي يسوع كان في اليوم السابق (أنظر يو28:18). هكذا عشاء يسوع الفصحي كان يوم الخميس. المشكلة التي أُثيرت من المفسرين عن الإطار التاريخي لعشاء يسوع الفصحي ـ إذن ـ لا تعرض موضوعًا جديرًا بل بالحرى يوجد توافق بين ما جاء في الأناجيل الأولي بشأن هذا الحدث مع ما جاء في إنجيل يوحنا। لأنه جوهريًا لم يُلاحظ تصادم بين الإثنين। علي الجانب الآخر, مثل هذه الأحداث كما تلك التي للعشاء الفصحي الآخير والصلب,كانت ستظل في ذاكرة الجميع بشدة من جهة الزمن ومن جهة الظروف التي حدثت، هذا الذي نحتاجه هو التوافق الصحيح لما جاء في الأناجيل। وبدراسة هذه المواضيع لا يحتاج المرء أن يقارن كلمة كلمة لكي يؤكد في النهاية وحدة الأحداث وإحتواء الواحد للآخر। الدراسة المتأنية, حقًا ممكن أن تساعد في تخطي أي صعوبات لتوافق نصوص الأناجيل। هنا سوف لا نناقش المشاكل التفسيرية। عمومًا, بالنسبة للأناجيل الثلاثة الأولي, عشاء يسوع هذا كان بلا شك عشاء فصحي (مر12:14ـ18 علي سبيل المثال), حتى لو بالنسبة ليوحنا إحتفال الفصح سيكون غدًا, أي مساء الجمعة (يو28:18. 14:19). الشرح المفضل هو أن نقبل, أي يسوع أراد أن يحتفل الفصح في يوم مبكر مع تلاميذه, تابعًا التقليد المتعلق بذلك, لأنه عرف كيف أن اليوم اللاحق, يوم الفصح القانوني, هو ذاته سوف يموت. هكذا يسوع بموته في يوم الإحتفال سيدشن فصح جديد "للعهد الجديد" مقدمًا ذاته كحمل. يضع لوقا الإنجيلي عن العشاء بتعبير يسوع الهام تجاه تلاميذه ومفيد جدًا لإدراك الحدث: " وَقَالَ لَهُمْ:«شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ» (لو15:22ـ16). بهذه الأقوال يتحدث يسوع مسبقًا عن موته الذي سيكون أساس عشاء ملكوت الله, أي فصح أُخروي جديد. وفق ترتيب العيد وبعد غروب الشمس, يجتمع الكل في مكان متسع في البيت يأخذ كل واحد مكانًا حول مائدة إحتفالية مفروشة. نفس الأمر سيحدث في حالة العشاء السري (مر17:14ـ18. لو14:22). أخذ يسوع مكانة علي رأس المائدة ورفع كأس الشكر قائلاً لتلاميذه: "ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ:«خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ، لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ» (لو17:22ـ18). بعد بركة الكأس الأول أعلن يسوع الحقيقة المرعبة للخيانة: "وَفِيمَا هُمْ مُتَّكِئُونَ يَأْكُلُونَ، قَالَ يَسُوعُ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ وَاحِدًا مِنْكُمْ يُسَلِّمُنِي. اَلآكِلُ مَعِي!" (مر18:14. يو21:13). هذا التحديث, يجب أن نقبل أنه سوف يؤثر علي الجميع وسوف يجلب لخبطة كبيرة في تلك اللحظة. الكل بدأ يتسائل: "فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنْ يَسْأَلَ مَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ الَّذِي قَالَ عَنْهُ" (يو24:13. لو23:22). إجابة يسوع كانت " هُوَ ذَاكَ الَّذِي أَغْمِسُ أَنَا اللُّقْمَةَ وَأُعْطِيهِ!", ربما لم يُسمع وبالأكثر لم يُدرك هذه الإجابة بسبب اللخبطة التي سادت ولا قد لُوحظ الحركة المتماثلة أن يعطي "لقمة لييهوذا الإسخريوطي" (يو26:13). ثم بعد ذلك, يهوذا الذي دخل فيه الشيطان بالفعل, رحل تاركًا الذين علي المائدة وخرج من البيت ليلاً (يو30:13). هنا يجب أن نشير إلي أنه منذ القِدم فُرِض سؤال مفاده: "هل بقي يهوذا ليأخذ مكانًا في عشاء يسوع الفصحي الذي يُعتبر العمل الإفتتاحي لسر الكنيسة الإفخارستي؟ وفق الأحداث والأوصاف نستطيع أن نستنتج أن يهوذا لم يبقي إلي النهاية بل رحل قبل إكتمال العشاء وقبل تحديد ـ بالتالي ـ عمل الشركة الإفخارستي. يبدو أن كثيرون من المفسرين آباء وكُتَّاب كنسيين يعضدون هذا الرأي لكن من إنجيل لوقا يمكن للمرء أن يستنتج رأي آخر, بأن يهوذا شارك حتى النهاية في العشاء, طالما أن أقوال يسوع الإفخارستية عن جسده ودمه سبقت الإخبار عن الخيانة (لو20:22ـ21). هذا الرأي يريد أن يشدد علي أن يهوذا بالرغم من مشاركته في هذه المرحلة من العمل الإفخارستي, إلا أنه لم يندم ولم يتوب تم قبل إكتمال العشاء الإفخارستي (مت21:26ـ29. مر18:14ـ25), لأن يهوذا لن يمكنه أن يظل أكثر من ذلك بسبب المناخ الذي سيطر علي الجميع بعد كل هذا في العلية. الإجراءات الباقية للعشاء الفصحي سوف تُتمم بعد إبتعاد يهوذا في مناخ خانق وثقيل سيكون بعدها تقدمة الخبز الفصحي, الكأس الأول والثاني للخمر وفي النهاية إشارة يسوع للعشاء الإفخارستي العتيد "للعهد الجديد". خاصةً في لحظة تقدمة الخبز وإقامة الكأس الثالثة نسمعه يقول الكلمات التأسيسية العظيمة والتي صُحبِت بصلاة مؤثرة والتي لا نتقابل معها لا في التقليد اليهودي ولا في طقس العشاء الفصحي: "وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ:«خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي». وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلاً:«اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ، لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا" (مت26:26ـ28. مر23:14ـ24. 1كو24:11ـ25). 3ـ المفهوم الإفخارستي والأخروي للعشاء الفصحي مضي تقريبًا عام منذ أن قال يسوع حديثة عن "خبز الحياة", في مجمع كفر ناحوم, والخبز الذي يتعلق به هو ذاته "أنا هو خبز الحياة" (يو35:6)। ووقت ذاك قد شدد علي حتمية أن "يأكلوا" جسده و"يشربوا" دمه لكي تكون لهم "حياة في ذواتهم" (يو35:6). كثيرون قد عارضوا بشدة هذا التفسير والبعض من بين التلاميذ قد أُعثروا (يو60:6ـ61). لكن ها قد أتت الساعة أن يعلن يسوع المحتوي الجوهري لتلك الأقوال ويُظهِر في العشاء الفصحي العلاقة العميقة بين "الخبز" وجسده والخمر ودمه في واقع سرائري حضور المسيح في "الخبز" وفي "الخمر" سيُحدَّد ويتأسس, بالنسبة للكنيسة, في سر "جسد" و"دم" الرب القائم الإفخارستي, إنه من الواضح أن تأكيد يسوع هو حاسم "هذا هو جسدي", "هذا هو دمي" حيث الكنيسة تعتبر هذا التأكيد ككلمات تأسيسة لسر الإفخارستيا. وفق الأحداث والتعليم الكتابي للأسرار, كلمات يسوع التاسيسية تتجاوب مع فعل وعمل إلهي سامي لخلق طقس جديد, أي علاقة جديدة بين الله والإنسان. الكلمات الاولي "هذا هو" تعلن علي الأرجح تعبير محدد ما بمحتوي لاهوتي حيث ستتضمن عندئذٍ أيضًا في ترتيب البصخة اليهودية. الخبز والخمر دائمًا يُقدمًا لله بمفهوم رمزي وروحي. العشاء الفصحي كان تذكار لأمانة الله في العهد القديم وفي "خبز" العهد مع شعب إسرائيل. لكن إشارة يسوع المحددة للخبز جسده ولخمر دمه, في العشاء الفصحي الأخير كان ينبغي أن يُدرك علي أنه عمل تدشين عهد جديد بين الله والبشر, كذلك العهد الجديد لخلاص البشرية أدرك التلاميذ أقوال يسوع هذه ليس فقط في البثعد التاريخي بل في تطلعهم الإفخارستي والكنسي. لأجل هذا سوف يتناولوا نفس العشاء "في ذكري" الرب بعد موته وقيامته, وفق نصيحة محددة: "إصنعوا هذا لذكري" (لو19:22. 1كو24:11). دشن يسوع بتاعشاء الفصحي واقع جديد يُعتبر من جهتنا كثورة في التطور التاريخي وفي تاريخ العبادة عشاء, ليس فقط بتذكر الماضي التاريخي, بل أيضًا بأبعاد أُخروية. بالطبع في ذلك العصر اليهودي كان يوجد تطلع عام لعشاء ماسياني وأخروي الذي سوف يكون قضية الأيام الأخيرة. آمن اليهود كيف أن الماسيا يمكن أن يأتي فصح ما لكي يتأسس مجد مملكة إسرائيل ويسوع, بالمعجزة التي قد صنعها منذ وقت علي بحيرة جنسارت بماركة الخبزات, قد أعطي البراهين الأولية نحو هذا الإتجاه وقد أعلن مسبقًا العشاء الأُخروي والإفخارستي. يسوع في هذا "الفصح الجديد" يصير مدركًا, لأن كثيرون من المفسرين في عصرنا يعارضون الإدراك الإفخارستي لعشاء يسوع السري ويحاولون أن يفترضوا تحت شك في الجدارة التاريخية للنصوص المتعلقة به وبالأكثر تفسير محتوي أقوال يسوع. 4ـ حدث "غسل أرجل" التلاميذ وأهميته حفظ لنا الإنجيلي يوحنا حدث آخر يضم إلي نص العشاء الفصحي (يو1:13ـ4), حدث "غسل أرجل" التلاميذ من يسوع (يو5:13ـ17). بالرغم من أننا ليس لدينا من يوحنا في هذه الجزئية وصف للعشاء الفصحي, بدون شك يشير إليه بتعبرات محددة: "فحين كان العشاء وقد ألقي الشيطان في قلب يهوذا سمعان الإسخريوطي أن يسلمه" (يو2:13). بهذه الحادثة لم يحل الإنجيلي حدث العشاء الفصحي ولا يجهل "الكلمات التأسيسة لسر الإفخارستيا" (أنظر يو30:6ـ59), كما ينادي كثير من المفسرين. هنا الإنجيلي يكمل ويضع أمامنا تعليم شامل عن الأسرار. خاصةً, يريد أن يشدد علي العلاقة الشديدة التي بين السرين, المعمودية والإفخارستيا, والتي بواسطتهما ينضم المؤمن إلي "جسد المسيح" في الكنيسة. وهذه المواضيع كانت محل إهتمام مباشر في زمن يوحنا والكنيسة في نهاية القرن الأول. بعض العناصر الشيقة في نص حادثة "غسل الأرجل بحسب التقليد والعُرف اليهودي, ربة البيت كانت تلك التي يجب عليها أن تغسل تراب الطريق من أرجل الضيوف الحافية لكي يجلسوا وأرجلهم نظيفة ويرتاحوا في العشاء (أنظر لو44:7). هذا العمل في حالات أخري ينتمي عادةً إلي الخدم والعبيد. يسوع بعمله أن يتبرر بمنشفة ينحني علي ركبتيه أمام كل واحد, ويغسل ويمسح الأرجل (يو 5:13), أعطي مثالاً لتلاميذه: " فَدَعَاهُمْ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُمْ: «أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِينَ يُحْسَبُونَ رُؤَسَاءَ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَأَنَّ عُظَمَاءَهُمْ يَتَسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ. فَلاَ يَكُونُ هكَذَا فِيكُمْ. بَلْ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ عَظِيمًا، يَكُونُ لَكُمْ خَادِمًا، وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَصِيرَ فِيكُمْ أَوَّلاً، يَكُونُ لِلْجَمِيعِ عَبْدًا. لأَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ أَيْضًا لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ»" (مر42:10ـ45). التقدمة والخدمة في شكل الذبيحة السامي يستلزم دائمًا الخدمات اليومية تجاه المشاركين معنا في الإنسانية ولأجل الله. وليس فقط لأجل الأصدقاء وأهل البيت بل تجاه المضادين والأعداء كما شدد علي ذلك يسوع (أنظر مت44:5. لو27:6,...الخ). لا نعرف, إذًا كان يسوع بدأ غسل أرجل التلاميذ من بطرس. الأكثر إحتمالاً هو أن آخرين كانوا قد سبقوه. الإشارة الخاصة للإنجيلي بخصوص بطرس ترجع فقط لحادثة إنكاره ليقبل هذا العمل المتواضع من معلمه: "أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ». قَالَ لَهُ بُطْرُسُ:«لَنْ تَغْسِلَ رِجْلَيَّ أَبَدًا!» أَجَابَهُ يَسُوعُ:«إِنْ كُنْتُ لاَ أَغْسِلُكَ فَلَيْسَ لَكَ مَعِي نَصِيبٌ» (يو7:13ـ8). في إنكار بطرس هذا, يسوع يعطي إجابة بأهمية رمزية وسرية عميقة والتي ستكون ممكنه أن تُدرك فقط تحت نور موته وقيامته. مجييء الروح القدس فيما بعد سوف ينير تمامًا كل الأمور الغامضة وصعبة الإدراك التي يسمعها ويراها التلاميذ ومعهم بطرس, فيما يتعلق بالماسيا: " أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ:«لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ»" (يو7:13) و "وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ" (يو13:16). قَبِل في النهاية بطرس وإمتثل حتى لو كان غير مدرك ولا يتفق تمامًا علي هذه الأمور. الغسل فُرِض كشرط أساسي ليكون مع المسيح: "قَالَ لَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ:«يَا سَيِّدُ، لَيْسَ رِجْلَيَّ فَقَطْ بَلْ أَيْضًا يَدَيَّ وَرَأْسِي»" (يو13:9). سوف يأتي في لحظة ما دور يهوذا. كذلك يسوع "غسل أرجل" التلاميذ الآخرين, وبالطبع "غسل أرجل" يهوذا (أنظر يو12:13), كعمل خادم متواضع وغافر, طالما كان يعرف من قَبل مَنْ سوف يكون خائنه (أنظر يو46:6. 70:6,...الخ). وهذا سوف يكون لديه مفهوم المحاولة الأخيرة لكي ينقذ تلميذه المتزعزع. لكن يهوذا بالرغم من "غسل الأرجل" فضّل أن يبقي داخليًا "نجسًا" ولأجل هذا في النهاية لم يأخذ مكانًا في مرحلة العشاء الذي أخذ ملمح إفخارستي تمامًا وإرتبط بتقدمه "الجسد" و"الدم" لأجل "حياة العالم". توجد قناعة, كما قلنا, عند آباء مفسرين بأن يهوذا بعد "غسل الأرجل" بقي وصار علي مائدة العشاء الفصحي كن بدون أي فائدة لأنه كان "شريرًا" و"مستحق للإدانة". بقي هو ذاته النجس إستثناء تراجيدي بين الطاهرين والخائن بين الأحباء: " قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الَّذِي قَدِ اغْتَسَلَ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ إِلاَّ إِلَى غَسْلِ رِجْلَيْهِ، بَلْ هُوَ طَاهِرٌ كُلُّهُ. وَأَنْتُمْ طَاهِرُونَ وَلكِنْ لَيْسَ كُلُّكُمْ». لأَنَّهُ عَرَفَ مُسَلِّمَهُ، لِذلِكَ قَالَ: «لَسْتُمْ كُلُّكُمْ طَاهِرِينَ»" (يو10:13ـ11). في الإطار الرعوي, تخرج نتيجة من كل هذا, أن كثيرين يشاركون في أسرار الكنيسة يتناولون نفس "العناصر" لكن ليس الجميع يخلصون. وهذا, لانهم لم ينغرسوا في جسد المسيح ولا يقبلوا مثالة في حياتهم "فَإِنْ كُنْتُ وَأَنَا السَّيِّدُ وَالْمُعَلِّمُ قَدْ غَسَلْتُ أَرْجُلَكُمْ، فَأَنْتُمْ يَجِبُ عَلَيْكُمْ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضُكُمْ أَرْجُلَ بَعْضٍ، لأَنِّي أَعْطَيْتُكُمْ مِثَالاً، حَتَّى كَمَا صَنَعْتُ أَنَا بِكُمْ تَصْنَعُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا। اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ لَيْسَ عَبْدٌ أَعْظَمَ مِنْ سَيِّدِهِ، وَلاَ رَسُولٌ أَعْظَمَ مِنْ مُرْسِلِهِ। إِنْ عَلِمْتُمْ هذَا فَطُوبَاكُمْ إِنْ عَمِلْتُمُوه" (يو14:13ـ17)। 5ـ جهاد يسوع في بستان جثيماني بعد نهاية هذا العشاء الفصحي السري, بقي يسوع قليلاً مع تلاميذه في العلية يتناقشون غالبًا بخصوص الأمور الماضية والآتية (أنظر لو21:22,...الخ. يو31:13,...الخ). بعد ذلك توجه تجاه جبل الزيتون بهدف أن يقضوا هناك سرًا وبعيدًا عن الآخرين هذه الليلة الحرجة (يو39:22). في الطريق إلي بستان جثيماني الذي يوجد هناك قريبًا وبينما الساعة قد مضت, بدأ يسوع يُظهِر لتلاميذه أن كثيرون من هؤلاء في تلك الليلة سوف يمتحنون بقسوة وسوف يضعفون كأنهم "خراف بلا راعي". وبالرغم من كل هذا لا ينبغي أن يفقدوا رجاءهم, لأنه "بعد القيامة" سوف يقابلهم أيضًا في الجليل, بالضبط مثلما كانوا من قبل (مت 32:26). وبطرس, مثلما دائمًا هكذا أيضًا الآن, يريد أن يظهر أنه مختلف عن الآخرين ويقدم ذاته كشجاع وقوي ويؤكد للمعلم أنه «وَإِنْ شَكَّ فِيكَ الْجَمِيعُ فَأَنَا لاَ أَشُكُّ أَبَدًا»" (مت33:26. مر30:14ـ31). في تأكيد بطرس هذا, أجاب يسوع كيف للأسف أيضًا أنه سوف لا يهرب من مصير الجميع المشترك وأن الحقيقة أنه سوف ينكره, لأنه "قَالَ لَهُ يَسُوعُ:«الْحَقَّ أَقُولُ لَكَ: إِنَّكَ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيحَ دِيكٌ تُنْكِرُني ثَلاَثَ مَرَّاتٍ»" (مت34:26). لقد كان الوقت متأخرًا في المساء, بعد الساعة العاشرة, عندما وصلوا إلي البستان. وهناك بالقرب من المدخل ترك بقية التلاميذ قائلاً لهم أن يسهروا ويصلوا لئلا يقعوا في تجربة وإمتحان تلك الليلة الرهيبة (لو40:22). أخذ معه ثلاثة فقط, بطرس ويعقوب ويوحنا (مر33:14), ومضي في العمق البستان "حوالي رمية حجر", لكي يصلي هو ذاته (لو41:22). المناخ للجميع كان مشدود شدًا رهيبًا ومحزن ومع التلاميذ أيضًا المسيح "بدأ يحزن ويكتئب" وفي لحظة ما سُمع يقول تعبير تراجيدي ومؤثر حيث سيظل فريد في تاريخ الصراع البشري "نفسي حزينة جدًا حتى الموت" (مت37:26ـ38). ساعة جهاد يسوع إقتربت إلي قمتها. ترك أيضًا الثلاثة تلاميذ ومضي أعمق في البستان. في الصلاة وفي جهاد الموت لدي المرء الإحساس كيف أنه بمفرده (سمعان اللاهوتي الجديد). جهاد يسوع يعبر أيضًا عن جهاد كل البشرية " ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ، وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسُ، وَلكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ»" (مت26:39). يسوع بجهادة دخل في عمق العزلة البشرية والمحنة الوجودية لكل إنسان عندما يُوجد أمام الموت، أخذ يسوع هناك في بستان جيثماني الإحساس الرهيب لكل شك وعدم يقين بشري, كل خوف ورعب أمام الموت (أنظر مر33:14,...الخ). لقد جمَّع في شخصه جهاد الأبرار في كل العصور الذي "بصراخ ودموع" تضرع "للقادر أن يخلصه من الموت" (عب7:5). في شخص يسوع بالطبع لم يُلغي صراع البشرية كظاهرة تاريخية, لكن إكتسب هذا الصراع مفهومًا جديدًا. وأيضًا الموت يأخذ قيمة تحريرية, عندما يرتبط بجاد يسوع, ليس فقط لأن الموت هُزِم بموت المسيح (1كو54:15,..الخ), لكن أيضًا لأنه بينما "الموت يعمل فينا" تاريخيًا, الحياة لا تفقد قيمتها وأهميتها (أنظر 1كو12:4). كل العالم "يئن": "كُلَّ الْخَلِيقَةِ تَئِنُّ وَتَتَمَخَّضُ مَعًا إِلَى الآنَ. وَلَيْسَ هكَذَا فَقَطْ، بَلْ نَحْنُ الَّذِينَ لَنَا بَاكُورَةُ الرُّوحِ، نَحْنُ أَنْفُسُنَا أَيْضًا نَئِنُّ فِي أَنْفُسِنَا، مُتَوَقِّعِينَ التَّبَنِّيَ فِدَاءَ أَجْسَادِنَا. لأَنَّنَا بِالرَّجَاءِ خَلَصْنَا. وَلكِنَّ الرَّجَاءَ الْمَنْظُورَ لَيْسَ رَجَاءً، لأَنَّ مَا يَنْظُرُهُ أَحَدٌ كَيْفَ يَرْجُوهُ أَيْضًا؟ وَلكِنْ إِنْ كُنَّا نَرْجُو مَا لَسْنَا نَنْظُرُهُ فَإِنَّنَا نَتَوَقَّعُهُ بِالصَّبْرِ" (رو22:8ـ25). صراع يسوع في بستان جثيماني يتآلف من صراع كل البشرية, وكل صراع سوف يمر ويلقي بظلاله علي الجميع إلي أواخر الدهور. يسوع أثناء صلاته الجهادية, أتي ثلاثة مرات وشاهد التلاميذ نيامًا, فقال لبطرس: "أما قدرت أن تسهر ساعة واحدة" (مر37:14). لكن الجهاد هنا وصل إلي الحد الأقصي للوجود البشري ويسوع تصبب عرقًا ودمًا, أظهر الشدة الداخلية الرهيبة (لأو44:22). تسجل النصوص ان يسوع "خر علي الأرض" (مر35:14). إحتضانة الأرض هذا يُظهِر أن جسده هو "أرض ورماد" مثل كل إنسان, وأن هذه الخليقة سوف تخلص وسوف تنال حياة جديدة فقط بجسده ودمه اللذين يُقدما عليها كذبيحة أبدية. أي خيالية لا توجد في موقف يسوع تجاه الطبيعة البشرية وظواهر الحياة. صراع يسوع وجسده هذا الذي يتصبب الآن "ماء ودم", بعد قليل سوف يذكرنا سري المعمودية والإفخارستيا لحياة وتاريخ الكنيسة ذاتها. يسوع في جثيماني يتخطي في النهاية الضعف والجهاد البشري, فاعلاً إرادة الآب "قَائِلاً:«يَا أَبَتَاهُ، إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هذِهِ الْكَأْسَ. وَلكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ»" (لو42:22). لقد خضع يسوع إراديًا لخطة الله وقَبِل بحرية الموت وذبيحة (أنظر عب7:10ـ9). ضعف الإنسان, الجهاد والألم والموت يمكن أن يكونوا وقائع تراجيدية للحياة, ليس أخلاقيًا أن يكونوا وقائع شؤم. يسوع بواسطة مشاركته الشخصية نزع من هذه الوقائع أي مفهوم للشر والخطية. ومن الآن فصاعدًا, الذي يجاهد, الذي يعاني, الذي يتألم, الذي يموت, جوهريًا يجاهد ويتحرر من قيود الخطية والشر وبواسطة سر ألمه يتبع طريق المسيح جبل الزيتون وبستان الجهاد هو جثيماني لكل إنسان, حيث يخلص بواسطة جهاد وموت المسيح. هناك في صراع جثيماني يعتصر المرء, لكن هناك يجد في نفس الوقت أيضًا رحمة الله. كلمة "جثيماني" في اللغة العبرية تعني "عصر الزيتون" أو "سحق الزيتون" ومن هذا العصر تخرج ثمرة الحياة. هناك في جثيماني, حيث مكان الصراع البشري, قدَّس يسوع الحزن البشري وكل صراع وجودي،يوجد في بستان جثيماني اليوم هيكل مكرس لصراع يسوع ومذبح مخصص للصراع الإنساني ولكل ذبيحة إنسانية. 6ـ خيانة يهوذا والقبض علي يسوع أتت الساعة و"إبن الإنسان" سوف يُسلم "لأيدي الأثمة". الخائن, والصاحب والتلميذ يقترب وهو الذي سوف يسلم الرب والمعلم. هو الإنسان: دائمًا قاتل لأخيه وقاتل للإله هكذا يحدث دائمًا في الحياة, المحبة والصداقة يُدفع ثمنها بالعنف والخيانة. حُراس رؤساء الكهنة والشيوخ بالفعل بدأتا تختبيء في الظلام وكتيبة من العسكر تتحرك من بين أوراق الشجر لتبحث عن يسوع ماسكين عُصي وسيوف ومشاعل ومصابيح (مت47:26. يو3:18). الأناجيل الثلاثة الأولي تذكر أيضًا أن "جمع كثير" كان يتبع العسكر (مر43:14). وعلي الجانب الأغلب هذا الجمع الذي يطلب الآن موت يسوع وكانوا يصرخون منذ أيام قليلة في دخول المسيح الإنتصاري "أوصنا" وأراد أن يري يسوع "ملك" علي كرسي داود. يبدو أن يسوع قد أتُهم عند رؤساء الرومان السياسيين والعسكرين, بأنه كان ماسيا سياسي وبالتالي خطر علي السلطة. لأجل هذا كان يوجد رومان مع قائدهم, كذلك شخصيات مدنية لكي يستخدمونهم كشهود (يو12:18. لو52:22). عندما رأي يسوع أمامه كل هذا الجمع من رؤساء كهنة وشيوخ وجنود وأعضاء من أمن الهيكل وممثلي عن الرئاسة السياسية والعسكرية, جمع فوضوي ومتعصب, قال: «كَأَنَّهُ عَلَى لِصٍّ خَرَجْتُمْ بِسُيُوفٍ وَعِصِيٍّ! إِذْ كُنْتُ مَعَكُمْ كُلَّ يَوْمٍ فِي الْهَيْكَلِ لَمْ تَمُدُّوا عَلَيَّ الأَيَادِيَ. وَلكِنَّ هذِهِ سَاعَتُكُمْ وَسُلْطَانُ الظُّلْمَةِ»" (لو52:22ـ53). وبالرغم من ذلك لم يحاول يسوع أن يختفي أو يهرب من القبض عليه. هذه الليلة هي ليلة إعلانية فيها إصطفت قوات الشر أمام قوات الخير (مت53:26. لو53:22. يو36:18). يهوذا ومعاونية يعملون كأناس الظلمة. يجب علي تلاميذ يسوع أن يعلموا كأناس الله ويفعلوا "أعمال النور". لاجل هذاقاوم يسوع كل فعل عنيف حتى لو أتي من غضب عادلِ ومعارضة للظلم " فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: «رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ. لأَنَّ كُلَّ الَّذِينَ يَأْخُذُونَ السَّيْفَ بِالسَّيْفِ يَهْلِكُونَ!" (مت52:26). يسوع بهدوء وسكينة قَبِل قُبله الخيانة: "فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ:«يَا يَهُوذَا، أَبِقُبْلَةٍ تُسَلِّمُ ابْنَ الإِنْسَانِ؟»" (لو48:22)। وبينما الجمع ينقض عليه ليقبضوا عليه, تلاميذه تركوه بمفرده (مر50:14)। فقط شاب مجهول تحرك ليساعده لكن عندما ذهبوا للقبض عليه إختفي هذا الشاب "عاريًا", في ظلمة الليل تاركًا ملابسه التي كان يلبسها علي عريه (مر52:14)। إحتمال أن هذا الشاب هو مرقس الإنجيلي ذاته الذي ذكر هذه الحادثة والذي كان يسكن مع عائلته في مكان قريب من هناك (أع12:12)। هكذا, هذه هي المعلومات التي لدينا عن هذه الليلة والتي تأتي في الأساس من ثلاثة شهود عيان, متى ويوحنا ومرقس। جدارة هذه النصوص ليست موضوع مشكلة لغوية (أدبيه) بل موضوع ثقة وقبول أو عدم قبول مسيرة يسوع المسيح التاريخية من المذود حتى القبر الفارغ।

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق