الاثنين، 16 مايو 2011

12ـ الصلاة الذهنية ( القلبية )περί νοερᾶ
προσευχῆς
الاب رومانيدس – ترجمة د جورج عوض الآن موضوع الصلاة الذهنية هو شيق. الصلاة الذهنية هي حالة إختبارية تمامًا. لا يستطيع أي طبيب نفسي أن ينكر أن الصلاة الذهنية هي تمامًا خبرة. إختلافنا مع الطبيب النفسي ليس في حقيقة هذا الحدث في حد ذاته, بل في العِلة التي تنشئ الصلاة الذهنية. بمعني, لو أن هذا الموضوع عُرِض من منظور علماء العلوم الوضعية, علي سبيل المثال, علماء النفس, الأطباء النفسيون, علماء البيولوجي,...الخ كظاهرة تستحق الملاحظة والدراسة, سيكون هؤلاء الناس مجبرين أن يطبقوا منهج البحث العلمي ويستعرضوا إفتراضات.
بالطبع الكنيسة لديها خبرة هذه الظاهرة. الشخص الذي لديه صلاة ذهنية في داخله, "يسمع" هو ذاته هذه الصلاة تُقال في قلبه ويوجد تقليد مئات السنين لهذه الحالة الروحية. لقد أُعطَّي لنا من القديسين تفسير محدد لهذا التقليد الخاص بالصلاة الذهنية وأساس هذا التفسير. الكنيسة تعرف أن الصلاة الذهنية هي خبرة روحية وأنها نتيجة فعل نعمة الروح القدس في قلب الإنسان إنها تقليد طويل حيث لا أحد يستطيع أن ينكر وجوده, لأنه توجد كتابات كثيرة جدًا من الآباء علي هذا الموضوع, بالإضافة إلي ما ورد بشأنها في الكتاب المقدس. ويوجد أناس اليوم الذين يحيون بيننا, يعرفون الصلاة الذهنية من خبرتهم الشخصية, لأنهم يعيشونها ومفعَّله في داخلهم.
إذن, طالما هؤلاء العلماء يقبلون هذا الواقع, يستعرضون إفتراضاتهم لكي يشرحوا ظاهرة الصلاة الذهنية هذه. بالطبع فيما بينهم سوف يجدون أيضًا البعض, الذين سوف يقولون أن هذه هي إختراع من إختراعات الكهنة. سوف يقولون أن هذه الأمور يقولونها الكهنة وأنها نتاج خيالاتهم. لكن يا ليت الكهنة ينشغلون بمثل هذا الأمر في اليونان.
آخرون, الآن, من هؤلاء العلماء ربما يقولون أن هذا الأمر هو نوع من التنويم المغناطيسي. إنها مناقشة جدلية بين الأطباء, مع أساتذة يقولون أن هذه الصلاة هي نوع من التنويم المغناطيسي! لكن, حتى لو كان هذا الأمر هكذا بالنسبة لهؤلاء. لكن الطبيب النفسي هو ملزم أن ينشغل نظاميًا بهذا الموضوع.
فيما يتعلق بالتنويم المغناطيسي الذي هو حقًا خبرة. ينبغى على الطبيب النفسي أن يكون دقيقًا, ما إذا كانت الصلاة الذهنية هي نوع من التنويم المغناطيسي أم لا. التنويم المغناطيسي يمكن أن يقود إلي الوهم أي إلي تشويش التكوين الصحيح للإنطباعات الإختبارية التي لدي الإنسان في ذاكرته لكن كل العناصر التي تُكوَّن الوهم, هي بقايا من المحسوسات. لأن الإنسان الذي يصل إلي الوهم يصل إليه ليس لأنه فقد إتصاله بالمحسوسات بل لأن ذاكرته قد خرجت عن مسارها وتكوين الإنطباعات الذي يحدث في عقله, ليس شيء آخر إلا فوضي في تصنيف الإطباعات.
هكذا لدينا عدم إتزان, كذلك أيضًا لدينا هؤلاء الذين يحلمون في يقظتهم. أي عناصر الأحاسيس التي تُكوَّن الوهم هي موجودة.
فيما يخص التنويم المغناطيسي, ذاك الذي يحدث له التنويم يدخل في حالة غيبوبة ويتذكر أشياء من الماضي ويجيب علي أسئلة ذاك الذي يقوم بتنويمة. بالتالي, كشخص نائم ليس لديه إتصال مع الواقع.
أما الآن فيما يخص الصلاة الذهنية (القلبية) فهى ليست شيء موجود بالفعل في الذاكرة ونستدعيه من الذاكرة لان هكذا يحلم الإنسان. لا يحدث نفس الأمر, مثل الوهم, الذي يري أحد شيء لكن بدون أن يوجد حقًا حوله ذاك يراه في تلك اللحظة ولا لجؤ للأحاسس في تلك اللحظة. اما في حالة الصلاة الذهنية ما يحدث في قلب الإنسان وما يشعر به الإنسان يأخذ مكانًا في تلك اللحظة التي يشعر به. ليس شيء من ماضيه. إنه خبرة الحاضر. لكي يكون أحد أيضًا في يقظة روحية, الأمر الذي يحدث في الصلاة الذهنية, أي لا هو منوم مغناطيسيًا ولا هو موجود في وهم, وفي نفس الوقت يحيا شيء واضح جدًا في داخله, في قلبه, شخص آخر يصلي في داخلة لحسابة "يشفع فينا بآنات لا يُنطق بها" (رو26:8), مثل هذا الأمر لا يحدث أثناء التنويم المغناطيسي. أثناء الصلاة القلبية يكون لدي الإنسان وعي تام بأن شيء أليف لطبيعته يعمل في داخلة ويلاحظه ويشاركه طوعًا.
ثقل برهان حقيقة هذه الخبرة لا ينتمي إلي الأرثوذكس, الذين يملكونها بل للعلماء الذين يشككون فيها أو يريدون أن يبحثونها. لو أيضًا أعطي العلماء تفسيرهم لهذه الظاهرة, أقصد ظاهرة الصلاة الذهنية, هؤلاء هم أنفسهم سوف يجب أن يبرهنوا أن تفسيرهم هو التفسير الصحيح لأن الأرثوذكسية لديهم تقليد لتفسير الصلاة الذهنية هو بلاشك بالنسبة للأرثوذكس. وأن التفسير غير مشكوك فيه لأنه ليس تفسير خبرة سابقة والذي لا يمكن تحديده أو تكراره, بل هو تفسير لواقع ولخبرة معاشة وحقيقية ويومية والتي دائمًا تتكرر وتُسلّم من جيل إلي جيل في الكنيسة الأرثوذكسية.
الكنيسة في لغتها, التي هي اللغة الكنسية, تقول بواسطة فم بولس الرسول "وكلامي وكرازاتي لم يكونا بكلام الحكمة الإنسانية المُقنع بل ببرهان الروح والقوة" (1كو4:2). ماذا يقصد بهذا؟ لماذا يعتبر بولس الرسول قوة الروح القدس مضادة لحكمة هذا العالم؟ لأن الإنسان الذي قد صار هيكل الروح القدس, الذي يتحدث في داخلة الروح القدس وقد سكن في قلبه, هذا الإنسان يشعر في قلبه بحيوية القوة أي فعل الروح القدس وهكذا لم يقتنع أنه قد صار هيكل للروح القدس بكلام آخرين ولا بمبررات الأخرين الفلسفية واللاهوتية, بل يعرف أنه هو هيكل للروح القدس من خبرته الشخصية والمباشرة, لأنه يشعر ويسمع الروح القدس في داخله الذي يعمل كأنه الأب الراعي والمرنم في قلبه. ذاك الأمر هو بمثابة شهادة مشتركة للروح القدس في روح الإنسان, الذي يعطي للإنسان هذا التأكيد المطلق بأن جسدة قد صار هيكل الله, طالما أن الروح القدس أتي وخيَّم في قلبه. هذه الحالة يصفها بولس الرسول عندما يقول: "ثم بما أنكم أبناء أرسل الله روح إبنه إلي قلوبكم صارخًا يا أبا الآب" (غلا6:4). أي يصرخ الروح القدس داخلنا, الروح المرسل من الآب ويقول: "يا أبا الآب" !
هذا الذي يصفه بولس الرسول, هل هو واقع أم خيال؟ هل طار علي السُحب, عندما قال هذا الأمر؟ لو لاحظتم جيدًا كل ما يقوله بولس الرسول في الإصحاح الثامن لرسالة رومية, سوف ترون أنه يتحدث عن الصلاة الحقيقية في قلب الإنسان. لكن ليس فقط بولس الرسول الذي يتحدث هكذا. وداود في مزاميره يتحدث هكذا والعهد القديم يتحدث هكذا. لأجل هذا نري هنا ما هو السبب الذي جعل المسيحيون الأولون الذي كانوا يهيئون أنفسهم للصلاة الذهنية, أن يحفظوا علي ظهر قلب سفر المزامير. المزامير لها أهمية عظمي بالنسبة لهم, فهي تساعدهم في أن يمارسوا الصلاة الذهنية.
لا أعرف كم عدد المسيحيين اليوم الذين قرأوا سفر المزامير كله. في الماضي كانوا يقرأونه علي الأموات قبل الجنازة. وربما كانت هي المرة الوحيدة الذي كان يُقرأ فيه هذا السفر. كان يقرأه الكاهن وربما بجواره المرتل. وكذلك في الماضي لكي يُرسَّم أحد أسقف كان لابد أن يبرهن بأنه يحفظ سفر المزامير كله. لماذا؟ لماذا سفر المزامير له أهمية عظيمة في الكنيسة؟ لأن سفر المزامير يحتوي علي طلبات تتعلق بالصلاة الذهنية. لأن الصلاة الذهنية في التقليد العبري, في التقليد النبوي وأيضًا في التقليد المسيحي الأول, كانت تصير أيضًا بالمزامير. لأجل هذا السبب, يقول بولس الرسول: "أُصلي بالروح وأُصلي بالذهن أيضًا. أُرتل بالروح وأُرتل بالذهن أيضًا" (1كو15:14). هكذا الصلاة الذهنية ليست فقط مجرد صلاة بكلام, بل هو أيضًا إبصلمودية, أي ترتيل مزمور. لأجل هذا, لدينا أيضًا أمثلة من التقليد أن الطلبة الذهنية تصير أيضًا بالمزامير. واحد من هذه الأمثلة هي مثال القديس يوحنا كاسيان الذي كان يعلم الصلاة الذهنية بالمزامير، وتوجد شهادات كافية لهذا الأمر.
إذن, هل الحاجة إلي أي برهان فلسفي عن هذه المواضيع, طالما أولئك الذين يؤمنون قد وصلوا إلي حالة الصلاة الذهنية هذه لديهم في داخلهم هذه الخبرة؟ طالما توجد هذه الخبرة, فما الحاجة إلي الميتافيزيقية؟ وما الحاجة إلي الفلسفة؟ في ماذا تساعد الفلسفة؟ هل يحدث وساعدت الفلسفة أحد جوهريًا في حياته لكي يكتسب حالة الصلاة الذهنية هذه, التي تعمل بلا إنقطاع في القلب حتى يصير هيكل للروح القدس؟
عندما لا يكون لدي أحد هذه الخبرة, ويريد أن يكتسبها, عندئذٍ يذهب ويتعلم من الذين لديهم هذه الخبرة. خبرة الصلاة الذهنية هذه هي عادةً ـ بالرغم من أنه يوجد إستثناء ـ شرط ضروري لكي يصل أحد إلي خبرة الشركة اى التأله, التي بمقتضاها يكتسب خبرة مجد الله غير المخلوق. خبرة الشركه هذه هي حصريًا عطية الله, فالله يمنح لمَنْ يريد, عندما يريد ولا تتوقف علي المحاولة البشرية. لكن الشرط هو أن يكون لدي هذا المرء الصلاة الذهنية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق